التأمت ثلة من الأكاديميين والمفكرين المغاربة والأجانب، اليوم الأربعاء بالرباط، لتدارس خصائص تراث الأديان الكتابية في المغرب والأندلس وقضاياه، وسبل الاستفادة منه في ترسيخ قيم التعايش وتدبير الخلاف العقدي بين مختلف الأديان.
وتهدف هذه الندوة الدولية، التي تنظمها مؤسسة دار الحديث الحسنية يومي 29 و30 ماي الجاري بعنوان “تراث الأديان الكتابية في المغرب والأندلس، الأعلام والقضايا والخصائص”، إلى إبراز دور التنوع الديني والثقافي في بلاد المغرب والأندلس في تقدم المجتمع، وإظهار نوع الأثر والتأثر الحاصل بين مختلف أتباع الأديان الكتابية، والعمل على مراجعة هذا التراث ونقده وتحقيقه للاستفادة منه واستنباط قيم التعايش السلمي والحوار الحضاري والنقاش العلمي الهادف.
كما تتوخى هذه الندوة إبراز قيمة هذا التراث الفقهي والصوفي والفلسفي واللاهوتي واللغوي، وبيان أثر مصادر الأديان الكتابية في توجيه سلوك أتباعها.
وأكد مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية، عبد الحميد عشاق، في كلمة له خلال افتتاح أشغال هذه الندوة، أن أبرز مقاصد الظهير الشريف الصادر سنة 2005 الذي أعاد هيكلة دار الحديث الحسنية، تكوين أطر وعلماء قادرين على التفاعل مع مختلف مصادر المعرفة الإنسانية ومؤهلين للحوار العلمي والحضاري الجاد مع أندادهم من أصحاب الملل الأخرى دفاعا عن قيم الإسلام، مشيرا إلى أن هذه الندوة تأتي عقب عدة أنشطة نظمتها المؤسسة في هذا الإطار.
وأبرز أن هذه الندوة تسعى إلى تأكيد سمتين بارزتين، أولاهما عامة تتعلق بخصوصية الحضارة الإسلامية في التعامل مع الأديان الكتابية، والثانية فرادة هذه التجربة وتميزها في تاريخ المغرب والأندلس، لا سيما على مستوى التلقي النصي والنقل المنهجي.
وأكد السيد عشاق أن الغاية الكبرى من هذه الندوة الدولية تتجلى في سعيها نحو الحفر المعرفي العميق لمعرفة هذا التراث، وبحث الأصول النظرية والفلسفية والمنهجية لهذه التجربة الرائدة التي بلغتها حاضرة المغرب والأندلس في حوار الأديان والثقافات، ودراسة جذورها المعرفية والثقافية التي منحتها الفرادة والتميز في تاريخ الأديان.
وفي كلمة مماثلة، اعتبر نائب رئيس جامعة القرويين، إدريس الفاسي الفهري، أن تراث الأديان الكتابية في المغرب والأندلس موضوع يفسر الماضي ويوجه المستقبل، مؤكدا أن هذا الموضوع له خصوصياته ومميزاته التي تتطلب دراسة تتعلق بما قبل الإسلام وتستمر بدراسة التاريخ الإسلامي أيضا في هذه الربوع.
وأوضح أن هذا التراث المادي يبرز في البنايات والمخلفات المتحفية، وفي المكتوبات والمصنفات والموروثات الشفهية، وهو واضح أيضا في ذكريات الشعوب من خلال لغاتها وثقافاتها وعاداتها، معتبرا أن هذه الندوة فرصة لإثارة هذا الموضوع وجمع نخبة من العلماء لتدارسه.
وأكد أن أهمية هذا الموضوع تُستلهم من تراث المغرب الزاخر ومفاخره التي تتجلى في التوازنات التي قام عليها التسامح والتعايش على هذه الأرض عبر قرون ممتدة، وذلك من أجل استلهام النموذج المغربي في هذا المجال.
ومن جانبه، أفاد أستاذ مقارنة الأديان في مؤسسة دار الحديث الحسنية، يوسف كلام، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بأن المراد من تنظيم هذه الندوة هو اكتشاف هذا التراث الكتابي الذي أسهم أصحابه من اليهودية أو من المسيحية أو من الإسلام في إنشاء الحضارة المغربية الأندلسية.
واعتبر أن هذا التراث متنوع جدا أنشأه المنتمون إلى هذه الأديان في إطار التدافع الذي كان بين هذه الأديان، مضيفا أنه تراث يبرز مدى تأثر واستفادة كل أهل دين من الأديان الأخرى.
وأكد أهمية الاستفادة من هذا التراث من خلال إخراجه وتحقيقه واستنباط القيم منه الذي يمكن الاستفادة منه في الجو المعاصر الذي يتسم بالصراع الذي يطفو أحيانا.
وسينكب المشاركون، على مدى يومين، على دراسة موضوع الندوة من خلال أربعة محاور كبرى، وهي “القضايا المنهجية والنظرية الكبرى في دراسة الأديان الكتابية بالمغرب والأندلس”، و”الإسهامات الفكرية والدينية لعلماء اليهودية والمسيحية في بلاد المغرب والأندلس”، و”الإسهامات التأسيسية لعلماء الإسلام في الجدل والمناظرات الدينية”، و”خصائص التراث الكتابي في المغرب والأندلس وإسهامات المسلمين في نهضة الحضارة الغربية”.