إلى بنكيران ومن معه.. التطبيع جريمة لا تغتفر

الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا

جمع بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية “مداويخه” (لقب أطلقه بنكيران على أتباعه) ليخطب فيهم، فسار يهذي بكلام بعيد كل البعد عن الحقيقة التي يعرفها كل المغاربة، فقال إن “حزبه كان دائما ضد التطبيع ولن يكون قط مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل” وأن ما قام به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السابق  سعد الدين العثماني وهو توقيعه على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني “كان في ظروف لا يعلمها إلا هو لذلك عليه أن يعتذر إذا أراد”                                                                                                                     وأضاف أن حزبه “كان دائما هو الأول في الساحة المغربية احتجاجا في كافة المدن منذ اندلاع الحرب على غزة، بمعدل مسيرة أو مسيرتين”  ثم انتقل إلى نظرية المؤامرة ليقول :   “ من يريد أن يصفي حساباته مع العدالة والتنمية لأنه ذات يوم أمينه العام، قام بعمل لا أحد عرفه أو استوعبه أو اتفق عليه، فإنهم يضيعون وقتهم، وإخوان المقاومة يعرفون جيدا العدالة والتنمية، ويعرفون من يدعمهم ماديا ومعنويا“
كان هذا جزء من كلام أو بالأحرى هذيان بنكيران، خلال مهرجان خطابي بمدينة الدار البيضاء بمناسبة ذكرى طوفان الأقصى.
إن ما قاله هذا الكائن السياسي الحربائي حول إسناده ومناصرته للقضية الفلسطينية ما هو شعارات زائفة لقضاء أهداف سياسية، ودليلنا على ذلك ما قاله بعد الهزيمة المدوية التي استحقّها حزبه خلال انتخابات 2021، معتبرا أن “الاتفاقات التي تجمع المغرب بما تسمى إسرائيل لم يعد لها مبرر معقول أو منطقي أو أخلاقي”
بنكيران يريد أن يتاجر بالقضية مرة أخرى، فإذا ما رضي المخزن على حزبه وفسح له المجال بتصدّر المشهد السياسي في الانتخابات القابلة، سوّغ للتطبيع مرة أخرى مبررات معقولة ومنطقية وأخلاقية، وهم على رأس الحكومة المغربية.
وأما طلبه لزميله في الحزب سعد الدين العثماني بالاعتذار عن التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، فقد جاءه الردّ سريعا من المعني بالأمر نفسه الذي عبّر عن رفضه لما صدر عن بنكيران واعتبر طلبه “غير مقبول” مشيرا في ذات الآن إلى أن التوقيع تم بصفته رئيسا للحكومة، وليس بصفته كشخص.
وأما قوله إن حزبه “كان دائما هو الأول في الساحة المغربية احتجاجا في كافة المدن منذ اندلاع الحرب على غزة، بمعدل مسيرة أو مسيرتين في كل أسبوع ويحضر في كل الاحتجاجات سواء التي تنظمها التنظيمات الشريكة أو تلك التي تنظمها أطراف تعتبر أن لا حق لـحزبه بنصرة فلسطين، وكأن لديهم “طابع” القضية الفلسطينية”. فهو كلام مجانب للصواب، لأن المغاربة يعرفون جيدا الهيئات التي لم تفتر ولم تتوقف عن نصرة قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على غزة، وإلى غاية يومنا هذا. وباتأكيد حزب العدالة والتنمية ليس منها، لأنه لا يخرج نصرة لفلسطين إلا في المناسبات كما تفعل باقي الأحزاب الرسمية. ثم إن من حق الأطراف التي تحدّث عنها بنكيران أن ترفض التنسيق مع حزبه على اعتبار أنه خان القضية الفلسطينية.       
على بنكيران أن يعلم أن المغاربة لا ولن ينسوا أبدا ذلك اليوم المشؤوم (الخميس 10 ديسمبر 2020) حين ظهر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني إلى جانب كلّ من جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي وزوج ابنته، ومائير بن شبات رئيس أركان الأمن القومي الإسرائيلي، وأفراهام بيركوفيتش المساعد الخاص للرئيس الأميركي والممثل الخاص المكلف المفاوضات الدولية، للتوقيع -رغم أنفه- على وثيقة اتفاقية التطبيع بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي.
في ذلك اليوم المشؤوم كفر المغاربة بحزب العدالة والتنمية، ورموه في مزبلة التاريخ بعد أن صوتوا له وحصل على رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين. لقد حاول بنكيران ومن معه آنذاك تقديم عدة مبررات للتغطية على خطيئتهم الكبرى، وهي مبررات يُراد من خلالها تسويق التطبيع، أي جعل الأمور طبيعية، لا غرابة فيها ولا اعتراض عليها، ولا خجل ولا نفور منها، فكونها طبيعية يدل على أنها متوقعة ومألوفة ومقبولة. تحت شعارات براقة مثل السلام والمنافع الاقتصادية والسياسية   ووو التي سيجنيها المغرب من وراء ذلك.
لكن كل تلك المبررات لم تنطلِ على المغاربة لأنهم يدركون أن “التطبيع  في واقع الأمر له دلالة مكروهة ومرفوضة، ولأن  مقتضياته ومتطلباته تؤدي حتما إلى ” الهوان السياسي، والانسلاخ الثقافي، والاختراق الأمني، والارتهان الاقتصادي، والمراد منه بساطة ووضوح أن يصبح الأعداء أصدقاء، وأن ينسوا تاريخهم العدواني، ويغضوا الطرف عن واقعهم الإجرامي، ومن أجل ذلك يقومون بتغيير المناهج، والمصطلحات، لئلا يكون هناك ما يثير حفيظتهم، ثم عليهم أن يفتحوا لهم أسواقهم ليتاجروا، وأرضهم ليمتلكوها، ومصانعهم لينتجوا ، وحقولهم ليزرعوا.. بل ويفتحوا مدارسهم ومعاهدهم ليعلموا ويتعلموا” وهو ما تحقق في وقت قياسيّ.   
فلاش: ما كان الخسيس ماكرون يجرؤ على وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب في خطابه أمام البرلمانيين المغاربة، لو أنه علم أن هناك من سيوقفه عند حده. وكيف لا يجرؤ ويفسو وهو يعلم أن المستمعين له في مجلس البرلمان بغرفتيه سيقفون ليصفقوا على بذاءته ووقاحته.              
لكن المغاربة الأحرار انتفضوا وخرجوا في عدة مدن، وأدانوا بشدة تصريح الرئيس الفرنسي الخسيس، مؤكدين أن الإرهابي هو الكيان الصهيوني العنصري النازي وكل من يدعمه ويحميه ويوفر له أسلحة حرب الإبادة الجماعية، وعلى رأسهم أمريكا وفرنسا وانجلترا.         
نعم، الخسيس ماكرون ضيف.. ولكنه ضيف غير مرغوب فيه، لأنه وقح، ولم يراع مشاعر المغاربة، وتصريحه يستهتر بمواقف الشعب المغربي المؤيد لفلسـطين وللمقــاومة. ولذلك لا يجب أن يُكنّ له أي احترام، وقديما قيل: من لا يحترم لا يُحترَم”
وخلاصة القول: ” إن هذا التصريح الذي صدر من داخل قبة البرلمان المغربي سيبقى وصمة عار تاريخية جديدة تنضاف إلى خطيئة التطبيع لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة المغاربة سواء اعتذر المطبّعون أم لم يعتذروا.

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة