الأفق الجديد لقضية الصحراء في ظل ولاية ترامب الثانية

الدكتور عادل بن حمزة

عرفت قضية الصحراء المغربية في إطار الدينامية الدبلوماسية التي عرفتها في السنوات الأخيرة، تحولا أساسيا تمثل في اعتراف الإدارة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه واعتبار حل الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية هو الحل الجدي والممكن والوحيد للنزاع المفتعل، هذا الموقف أعطى زخما وأهمية كبيرين لدبلوماسية التمثيليات القنصلية في مدينتي العيون والداخلة على سبيل المثال، كما أنه ساهم في تموقع أفضل للسردية المغربية حول النزاع المفتعل في الصحراء وهو ما نتج عنه التغير التاريخي في الموقف الإسباني وقبله كثير من الدول الأوروبية من بينها ألمانيا، وتوج ذلك كله بالموقف الفرنسي التاريخي، هذا التغير في مواقف الدول الغربية الكبرى، واكبها تغير هام على الأرض منذ تحرير معبر الكركرات وانسحاب الانفصاليين من اتفاقات وقف إطلاق النار وتمديد الجدار الرملي، كل ذلك يتم في ظل واقع جديد يفرضه المغرب بخصوص المناطق العازلة والتي تمثل حوالي 20 في المائة من مساحة الصحراء الإجمالية.

بالعودة إلى الاعتراف التاريخي للولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء على عهد الولاية الأولى لدونالد ترامب، نجد أن البعض ركز ساعتها على الأثر القانوني للإعلان الرئاسي الأمريكي الذي تضمن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، ومدى إلزامية هكذا اعتراف، لباقي المؤسسات الأمريكية وحجم تأثيره في الأمم المتحدة خاصة في مجلس الأمن، لكن  الأثر السياسي لم يحظى بعناية كبيرة، علما أن قضية الصحراء المغربية، هي في الأصل قضية سياسية، سواء من جهة حسن النية التي أبداها المغرب طيلة سنوات النزاع مع المستعمر الإسباني وما تلاها من سنوات مواجهة الانفصال، أو في سياق الوضع الدولي الذي برزت فيه المشكلة وساهم في تعقيد الحل وجعله بعيد المنال لعقود طويلة وذلك لاعتبارات سياسية تتعلق بتموقع أطراف النزاع من جهة التحالف والولاء لأحد المعسكرين الشرقي أو الغربي، وهو ما جعل قضية الصحراء واحدة من أقل الملفات التي بقيت دون حل منذ نهاية الحرب الباردة، ومن تعقيداتها اليوم، أن الأطراف الرئيسية المناهضة للوحدة الترابية للمغرب، لازالت تحتفظ بقاموس ومراجع وذهنية الحرب الباردة بشكل مفارق لما يعيشه العالم من تحولات وهو ما ذكر به العاهل المغربي في خطابه الأخيرة بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، وإذا كان المغرب صمد كل هذه العقود في مواجهة مشروع الانفصال، فإنه فعل ذلك بفضل تماسك الجبهة الداخلية والتطور الذي يشهده على عهد الملك محمد السادس وكذلك المتغيرات التي جعلت من العامل الخارجي عاملا ينحاز إلى الوحدة الترابية للمملكة بعيدا عن مغامرات التجزئة والانفصال، وهو قادر على وضع نقطة النهائية لمغامرة كانت لها كلفة إنسانية كبيرة.

العامل الخارجي بلاشك لعب دورا مركزيا طيلة عقود الصراع المصطنع، من هنا تأتي أهمية عودة ترامب إلى البيت الأبيض وهو صاحب القرار الأمريكي التاريخي، ومن هنا أيضا وجب التذكير بأن وجود الجمهوريين في الرئاسة كان دائما يفسر لصالح الموقف المغربي، بينما كان التردد والمواقف الرمادية صفة ملازمة للإدارات الديمقراطية، لهذا يمكن اعتبار العودة التاريخية لترامب تحمل إشارات إيجابية للسردية المغربية وما تقدمه من حل يتمثل في الحكم الذاتي، لكن رغم ذلك يمكن القول أن قرار ترامب سنة 2020 ظل ملزمًا للإدارة الأمريكية الديمقراطية طيلة أربع سنوات، ذلك أن الديبلوماسية ليست دائما أقوال وتصريحات بل أيضا ممارسات ووقائع على الأرض، وعلى هذا الجانب يمكن القول أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه لم يتغير…

يتبع..

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة