بقلم : دكتور عادل بنحمزة
منذ عقود ودول الساحل الإفريقي تدور في دوامة من العنف وعدم الاستقرار، كما أنّ الدولة الناشئة عن المرحلة الاستعمارية لم تستطع إلى اليوم تجاوز الولادة غير الطبيعية للدولة، في ظلّ بنية قبلية معقّدة ومتعددة، تستند الى إرث تاريخي وثقافي وديني خاص، تطور في سياقات محلية وجهوية، وما زال تأثيره قائماً إلى اليوم.
الدول التي أنشأها الاستعمار في الساحل لم تكن في غالبيتها تعكس هوية جماعية مشتركة، بل فقط المصالح الاستعمارية، وبخاصة الفرنسية التي تسمح باستمرار الهيمنة الاقتصادية وتأبيد الفقر والصراعات القبلية وتحوّل الهوية الوطنية الجامعة إلى مجرد سراب مع هشاشة مستمرة للمؤسسات، وهو ما أدخل تلك الدول في دوامة من العنف وعدم الاستقرار والانقلابات العسكرية التي مثلت باستمرار الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة. غير أنّ الوصول إلى السلطة لم يكن يعني رغبة في بناء الدولة وتوسيع مفهوم الاستقلال وتحقيق السيادة الفعلية، بل فقط لخدمة الأجندة الاستعمارية من خلال نخب، كان همّها الأساسي رعاية منظومة من الفساد تستنزف خيرات تلك الدول ومواردها، من دون أي أفق تستطيع من خلاله دول الساحل القطع مع التبعية وبناء الدولة الوطنية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة والاستثمار في العنصر البشري الذي يمثل ثروة حقيقية في تلك الدول، وقد تكرّس هذا الوضع بصورة أوضح عندما تمّ استثمار ضعف الدولة في منطقة الساحل من خلال استباحتها من قِبل الجماعات الإرهابية وباقي جماعات الجريمة المنظّمة، من تهريب السلاح إلى تهريب المخدرات مروراً بتهريب البشر والسلع.
فضائح في عهد شيراك حول ناخبين كانوا موتى واحتُسبت أصواتهم… نحن ليست لدينا نية التأثير في ناخبينا والعملية الانتخابية بدأت، وقد أشرنا إلى أنّه إذا كان هناك خروج عن القواعد فلن يكون بسبب سلطات الدولة ولا اللجنة الانتخابية. هذا ما أردت أن أوضحه، ما يجب أن يتغيّر أيضاً هو طريقة تعامل فرنسا وأوروبا معنا، عليكم أن تنظروا بشكل مختلف إلى إفريقيا وأن تحترمونا، وليس أن تنظروا إلينا نظرة أبوية بحيث نكون نحن مخطئون وأنتم دائماً على صواب”. الفقرة الأخيرة كانت الأكثر أهمية سواءً في مضمونها أم في الحدّة التي ميّزتها من جانب الرئيس فليكس.
القوات الفرنسية لم تفشل فقط في محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة في المنطقة، بل أصبح وجودها مبرراً للالتحاق بتلك الجماعات، وبذلك كان من الحتمي أن تغادر فرنسا المنطقة، بخاصة في ظل رئيس قاد الدبلوماسية الفرنسية إلى نكسات متوالية، وفي ظل رؤية استعمارية تقليدية لا ترى في دول المنطقة سوى دول تابعة ومفكّكة، ولذلك اقتصرت الرؤية الفرنسية والغربية عموماً على الجوانب الأمنية من دون كسر تلك الحلقة المفرغة التي تقوم على العنف والعنف المضاد، في ظلّ أوضاع اقتصادية جد صعبة، تعكس العزلة الجغرافية القاسية لدول الساحل والتي تحدّ من قدرتها على بناء نهضة اقتصادية.
الملك المغربي محمد السادس انتبه إلى هذه الوضعية وقدّم حلاً غير مسبوق وغير تقليدي، يتمثل في ما كشف عنه في خطابه في مناسبة الذكرى الـ 48 للمسيرة الخضراء، وذلك بتحويل التنمية في الصحراء المغربية إلى قاطرة لاندماج دول الساحل في إطار تقديم جواب اقتصادي/تنموي على الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة، وتمثل تهديداً مستمراً لشعوبها والدول المجاورة والسلم العالمي بصفة عامة.
العاهل المغربي طرح الأمر في إطار مبادرة دولية يتمّ بموجبها تحويل الصحراء المغربية إلى معبر لتلك الدول إلى المحيط الأطلسي، من خلال شبكة للطرق والسكك الحديد. وبالتالي عوض أن تكون الصحراء المغربية جزءاً من مشاكل المنطقة كما يريد النظام الجزائري وبكل ما يشكّله ذلك من خطر وتهديد مستمرين للسلام والأمن ومن تعطيل للتنمية، فإنّ المغرب يقدّم جواباً استراتيجياً بتحويل التنمية في الصحراء المغربية إلى جزء من الحل، كفيل بإخراج دول الساحل من دوامة الحرب وعجز التنمية المزمن الذي يجعلها تدور في حلقة مفرغة منذ عقود طويلة، يُضاف ذلك إلى مشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، الذي يضمن اندماج دول إفريقيا الغربية بشكل كبير، ويجعلها فاعلاً في مستقبل الطاقة.