بقلم : الصحافي فؤاد السعدي
من الصعب جدا أن نرسم حدود العلاقة بين الفاعل السياسي والفاعل الإعلامي، لأنها تظل دائما محط تجاذبات يطبعها التوثر تارة والتوافق تارة أخرى بالنظر إلى طبيعة ووظيفة كل واحد منهما. فالسياسي يرى في الإعلامي فرصة لتمرير رسائله وأفكاره، بل وقناة تواصلية موجهة، في حين يطمح الإعلامي للوصول إلى المعلومة الحقيقة، ولا يريد أن يكون مجرد قناة تواصلية تكتفي بدور الوسيط بين السياسي والرأي العام، وإنما يطمح إلى الذهاب بعيدا من خلال أداء أدوار رقابية على المؤسسات من جهة، وتقييم أداء الفاعل السياسي وكشف ما يريد أن يخفيه من جهة أخرى. وهو ما يجعل علاقة الإثنين يطبعها التوثر ويطغى عليها التجاذب.
فالإعلامي المتمكن يحاول دائما الوصول إلى المعلومات التي يستأثر بها السياسي لنفسه أو لمن يدور في فلكه، بينما السياسي دائما ما يتجه إلى اختيار الوقت المناسب له لتمرير المعلومة التي تخدم مصالحه. وهو ما يضطر الاعلامي في أحيان عديدة الى ممارسة الضغط لحمل السياسي على كشف المعلومة الخفية.
هذه العلاقة المتداخلة بين السياسي والإعلامي تجعلنا اليوم نتساءل عن أدوارها وحدودها وكيفية ضبطها وجعلها أكثر اتزانا وفعالية، فإذا كان السياسي مسؤولا أمام المجتمع، فالإعلامي ضمير هذا المجتمع، والوصي على مراقبة السياسي وتنبيهه في حالة رصد أي خرق أو اختلال في أداء مهامه.
فمن يرى أن دور الإعلامي يتجاوز اختصاصه، وأنه يسعى الى محاولة سحب البساط من السياسي، فهو لا يعي قيمة الدور الذي يلعبه هذا الأخير في كشف الحقائق بغض النظر عن الطريقة التي ينهجها، حتى وإن لم ترق للمسؤول السياسي. ومع ذلك ينبغي أن تظل هذه العلاقة في إطارها الصحي المتعلق بتدبير الاختلاف داخل الفضاء العمومي للمساهمة في الارتقاء بالنقاش، وأن يكون القانون، هو الفيصل في تدبير هذا الاختلاف بحيث يلزم الإعلامي بميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة من جهة، وأن يلزم السياسي بالإنضباط لقيم العمل السياسي النزيه والنبيل من جهة أخرى.
كان لابد من إعطاء هذه الدروس لمن يهمهم الأمر سواء لعمدة طنجة، أو للقائمين على شؤون التواصل بالجماعة من أجل أن يكونوا أكثر رقيا في تواصلهم مع رجال الإعلام وبناء علاقة في إطار المسؤولية المشتركة التي يطبعها التكامل والإحترام. وهنا لا نحتاج لنذكر العمدة بأن وظيفة التواصل لا تقوم على منطق تضاد أو تنازع أو الإقصاء أو التضليل لأن في ذلك استخفافا بالمؤسسة الدستورية التي يرأسها، وإهانة لمن يمثلها من المنتخبين.
كان على كاتب بلاغ الجماعة أن يتحلى بنوع من الأدب والإحترام وهو يخاطب الجسم الإعلامي عوض أسلوب الوعد والوعيد والتهديد، وأن يختار لغة تليق بسمعة
المؤسسة التي يتكلم باسمها، وأن ينئى بنفسه عن تصنيف الصحفيين ونعت الموالين بالمهنيين الأكفاء، في حين وصف الأقلية المنتقدة لطريقة تدبير العمدة العشوائية بالمروجة للأخبار الزائفة والمعطيات المغلوطة، وهو ما يعطي الإنطباع على أن المكلف بالتواصل لم يفهم بعد أن مهامه تتمثل في توفير إطار للتنسيق الفعال بين المسؤول السياسي والفاعل الإعلامي، وليس عملاً ارتجالياً بدون رؤية إستراتيجية في أفق تعزيز الثقة بين الطرفين.
فالأقلية المغرضة على حد وصف كاتب البلاغ لا تلاحق الرئيس لسواد عيونه، بل للبحث عن الحقيقة التي يمتنع عن كشفها ليس للصحفيين فقط بل حتى لنوابه، وهو ما يجعلنا نتساءل عن الدوافع الحقيقية وراء امتناع عمدة طنجة من التواصل مع رجال الصحافة، وما إن كان هذا راجع لضعف تكوينه السياسي أم هو الجبن من يمنعه للخروج الى الرأي العام لتنويره وإخباره بما يقع داخل دهاليز الجماعة، وإجابته عن مجموعة من التساؤلات الآنية التي تشغله. فالارباك الذي تحدث عنه البلاغ ليس الإعلامي من يسببه، بل هي سياسة الهروب الى الأمام التي ينهجها العمدة، ليس فقط مع الصحفيين، بل حتى مع نوابه، وأن أساليب التهديد لن تخدم ورش تنمية المدينة في شيء. وعلى عمدة طنجة أن يفهم جيدا أن السياسي المحنك هو الذي يعرف كيف يمرر خطابه عبر وسائل الإعلام بلباقة وبمهنية، وليس بأسلوب التهديد والوعيد. كما على عمدة طنجة أن يعي أن سمعته السياسية تحددها بدرجة كبيرة الصورة التي يكونها ويصنعها لنفسه من خلال وسائل الإعلام… يتبع