الجيش والدّيموقراطيّة المغدورة في السّودان



بقلم : د.عادل بنحمزة
“استمر الحكم العسكري في السودان حوالي نصف قرن من تاريخ البلاد الممتد منذ لحظة الاستقلال عن مصر وبريطانيا سنة 1956، فقد عجزت النخب السودانية في بناء دولة مدنية مستمرة، وبديلاً من ذلك فتحت البلاد على مصراعيها لحكم العسكر وفق خصوصيات سودانية، انطلق ذلك بعد انقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958 مروراً بالانقلاب العسكري الثاني مع جعفر نميري في أيار(مايو ) 1969، ثم الانقلاب الثالث مع عبد الرحمان سوار الذهب في 6 نيسان (أبريل) 1985 ثم الانقلاب الرابع مع عمر حسن البشير في 30 حزيران (يونيو) 1989 فالانقلاب الخامس مع عبد الفتاح البرهان وحميدتي في 11 نيسان (أبريل) 2019، وصولاً إلى الانقلاب الثاني للبرهان وحميدتي، وهذه المرة على المكون المدني في شخص رئيس الحكومة عبد الله حمدوك يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021. غير أنه إذا كانت انقلابات عبود ونميري وسوار الذهب والبشير نتيجة للصراعات التي قامت بين تيارات سياسية وفشل تحالفاتها، سواء في ما بينها أو بينها وبين الجيش، فإن حوادث نيسان 2019 كانت التفافاً من المؤسسة العسكرية على مطالب مدنية الدولة التي رفعتها القوى المدنية في شوارع الخرطوم، وبالتالي تمت التضحية بالبشير وبعض المقربين منه لاستمرار الحكم العسكري، وإن لفترة انتقالية، إلى حين ترتيب الأوضاع الجديدة، لكن تبقى قوات الدعم السريع التي أظهرت ازدواجية مؤسساتية في المؤسسة العسكرية، أبرز عامل ساهم في تعقيد مخطط إدامة الحكم العسكري وانقسامه. وهذه الوضعية يعرفها السودان لأول مرة، أي أن يكون هناك طرفان عسكريان شريكان في السلطة، وهو ما يجعل الوضعية الحالية معقدة جداً بحيث لا يمكن مقارنتها مع الوضعيات السابقة، سواء عند انفراد المؤسسة العسكرية بالحكم في عهد عبود ونميري وسوار الذهب أو عند لجوء البشير بتحالف مع “الإخوان” وبعض الميليشيات القبلية إلى تشكيل قوة شبه عسكرية تدعى قوات الدفاع الشعبي، للمساهمة في مواجهة الحركة الانفصالية في الجنوب، وهو ما كرره البشير في حرب دارفور من خلال تأسيس قوات الدعم السريع التي انقلبت عليه بدافع من الطموح السياسي لقائدها حميدتي الذي كان البشير يدعوه حمايتي…”

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة