بسم الله الرحمان الرحيم
أخواتي المؤتمرات، إخواني المؤتمرين؛
الحضور الكريم؛
- يسعدني في البداية أن أرحب بالسيد رئيس الحكومة وبضيوفنا الأعزاء السيدات والسادة الوزراء وأصحاب السعادة السفراء وقادة الأحزاب السياسية الوطنية والهيئات النقابية وفعاليات المجتمع المدني ونتقدم إليهم جميعا بجزيل الشكر وعظيم الامتنان، على تلبيتهم دعوتنا وتشريفنا بحضورهم في هذه الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الثامن عشر (18) لحزب الاستقلال.
- في البداية، أُبْلغكم اعتذار أخينا الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال عن الحضور معنا، الذي كان بِوِدِّهِ المشاركة في مؤتمرنا، لكن ظروفه الصحية لم تسمح له بذلك. وقد كلفني بإبلاغكم تحياته ومتمنياته لمؤتمرنا بكامل التوفيق والنجاح.
- بسم الله وعلى بركة الله نفتتح المحطة الثامنة عشرة للمؤتمر العام لحزبنا، الذي ينعقد تحت شعار: “تجديد العهد من أجل الوطن والمواطن”، شعار نريد له أن يُعَبِّرَ عن وفاء حزب الاستقلال وإخلاصه الدائم لثوابت الوطن ومقدساته، وتشبثه بالملكية الدستورية الوطنية والمواطنة، وعن تجديده المتواصل للعهد الذي حمله الرعيل الأول لرواد الحركة الوطنية والاستقلال من أجل الذَّوْدِ عن المصالح العليا لبلادنا وحماية سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية وتجنده الدائم وراء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في مسيرة الإصلاح والتطور والتنمية والازدهار.
- وبنفس العزيمة والإصرار، نجدد العهد مع الوطن للدفاع بلا هوادة عن قضاياه الكبرى والمصيرية، وهي نفس الروح التي نجدد بها العهد مع المواطنات والمواطنين للترافع المستميت عن تطلعاتهم وانتظاراتهم، باستنفار كل قيم حزبنا ومبادئه ومرجعيته التعادلية، للمساهمة في إرساء دعائم العدالة الاجتماعية والمجالية والإنصاف وتكافؤ الفرص ومحاربة والفقر والهشاشة وتحقيق مغرب العزة والكرامة.
حضرات السيدات والسادة؛
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛ - يكتسي هذا الاستحقاق التنظيمي الكبير أهمية خاصة، ليس فقط لكون المؤتمر العام هو السلطة العليا في الحزب يقرر قوانينه ويحدد برنامجه، ويُقيِّم أعمال مختلف تنظيماته، (طبقا للفصل 98 من النظام الأساسي)، بل لما يجسده من تمرين ديمقراطي، من خلال إِعْمَالِ آليات الديمقراطية الداخلية والاختيار الحر في انتخاب الأمين العام للحزب واللجنة التنفيذية من طرف الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني، وقبل ذلك لِمَا يُشَكِّلُهُ هذا المحفل التنظيمي، من فضاء للنقاش والترافع وبلورة الأفكار والحلول والاقتراحات كما أبدعها الذكاء الجماعي الاستقلالي، والمُضَمَّنَةِ في الأوراق والوثائق التي سيتم مناقشها والمصادقة عليها، والتي سَتُثْرِي ولاشك الفكر التعادلي، وسَتُغْنِي، بمضامينها الفكرية والسياسية وقوتها الاقتراحية، المشروع المجتمعي التعادلي الذي يدافع عنه الحزب.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛ - تنعقد محطة المؤتمر العام 18 لحزبنا بالتَّزَامُنِ مع ظرفية وطنية فَارِقَةٍ في مسار تطور بلادنا، ظرفية سياسية واقتصادية واجتماعية مليئة بالفرص والآمال والطَّفْرَاتِ التنموية، مطبوعةً بالانتقالات والتحولات المِفْصَلِيَّةِ الإيجابية الداعمة للثقة والتطور والإنصاف، وحاملة في طياتها للعديد من التحديات والإكراهات والأزمات من قبيل: (توالي سنوات الجفاف وندرة المياه، وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم نتيجة حرب أوكرانيا، واستمرار آثار الازمة الصحية على الاقتصاد والشغل، وانعكاسات زلزال الحوز…).
- مسار تراكمي للمكاسب والإنجازات بقيادة حكيمة ومتبصرة لجلالة الملك محمد السادس أيده الله، سواء على مستوى استكمال وتحصين وحدتنا الترابية أو على صعيد تنزيل أوراش الإصلاح الاستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية والبيئية، وغيرها.
● وفي خِضَمِّ دينامية هذا المسار، تعيش قضية وحدتنا الترابية على وَقْعِ تَحَوُّلٍ استراتيجي في المقاربة والنتائج، اشتد زَخَمُهَا بفضل رؤية ملكية رزينة ومتبصرة، توالت معها الانتصارات والإنجازات الوحدوية التي حققتها الدبلوماسية الرسمية والبرلمانية والحزبية والشعبية والاقتصادية، مدعومة بنجاعة وفعالية النموذج التنموي الجديد الذي اعتمدته بلادنا بأقاليمنا الجنوبية برعاية ملكية سامية والذي حقق أكثر من 80% من التزاماته، وحقق نتائج هامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي، وفي مجال تجهيز هذه الأقاليم بالبنيات التحتية واللوجيستيكية وتوفير الخدمات الأساسية لساكنتها، وهو ما كان له انعكاس إيجابي على قضية وحدتنا الترابية، اتَّسَعَتْ معه قاعدة القناعات لدى المجتمع الدولي بمشروعية وعدالة قضيتنا الوطنية وبرَجَاحَةِ المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل واقعي وجِدِّي وَذِي مصداقية من شأنه ضمان الاستقرار والأمن والازدهار بالمنطقة، وهو ما تردًّدَ صداه في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وفتح الباب مُشْرَعاً أمام اعترافات الدول الوازنة كالولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن غيرها من الدول الشقيقة والصديقة التي بَادَرَتْ إلى فتح العشرات من قنصلياتها بكل من مدينتي العيون والداخلة.
● ولا نرى بُدَّاً، كما عكست ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي، من الانخراط التام والإيجابي لجميع الأطراف وأَوَّلُها الجزائر في الحوار السياسي على قاعدة الموائد المستديرة والتجاوب مع مختلف المساعي الأممية بروح من الواقعية والتوافق للدفع بمسلسل التَّسوية إلى الأمام ولضمان الوصول إلى الحل السياسي الواقعي والعملي والمستدام والمتوافق عليه والمتمثل أساسا في المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، كما أشاد به مجلس الأمن في مختلف قراراته.
● لذلك، نَقُولُها مباشرةً وصراحةً لخصوم وحدتنا الترابية في الجزائر ومن يحوم في فلكهم: - أن الحق المغربي يَعْلُو ولا يُعلى عليه؛
- وأن مناوراتِهم واستفزازاتِهم وادِّعاءاتِهم المُغْرِضَةِ بلغت مداها ولم تَعُدْ مُجْدِيَةً؛
- وأن افتعال الأزمات والمؤامرات التي تُحَاكُ ضد وحدتنا الترابية صار مَكْشُوفاً ولم يَعُدْ يَنْطَلي على أحد؛
- وأن الإمعان في تصريف المواقف العَدَائِية ضد المصالح العليا لبلادنا، لن يزيد قضيتنا الوطنية إلا مناعةً واعترافا بعدالتها ومشروعيتها في الأوساط الدولية، وأن مناوراتهم لإحداث اتحاد مغاربي بدون المغرب محكومة بالفشل، فضلا عن كونها خيانة تجاه الشعوب المغاربية وتطلعاتها نحو الوحدة، وخيانة تجاه أجدادنا الذين عبروا في مؤتمر طنجة 1958 عن ضرورة توحيد الجهود بهدف وحدة الأقطار المغاربية.
● ونقول لهم كفى من العبث بروابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، وكفى من التنكُّر لمنطق حُسن الجوار وأواصر الأُخوة بين الشعبين المغربي والجزائري.
● وَلْيَجْنَحُوا للحكمة والتَّعَقُّل ولينتصروا للهدف الأسمى هو التقدم والازدهار والخير والإخاء والتنمية لشعوب المنطقة، في ظل السلم والأمن والاستقرار.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛ - يعتز حزبنا بالتحول الاستراتيجي الذي عرفته القضية الوطنية ويجدد دعوته للتعبئة الوطنية، وتعزيز الجبهة الداخلية لتحصين المكتسبات الوحدوية، كما يجدد انخراطه في صدارة هذه التعبئة الوطنية والتَجَنُّد الدائم وراء جلالة الملك للدفاع عن المصالح العليا لبلادنا في مختلف المحافل الإقليمية والدولية لمواجهة مناورات الخصوم وأعداء الوحدة الترابية للمملكة.
- ويجدد التأكيد على ضرورة الإسراع في تنزيل الجهوية المتقدمة بما يقتضيه ذلك من تمكين الجهات من الممارسة الكاملة لاختصاصاتها الذاتية لاتخاذ القرار التنموي على المستوى الترابي، والعمل على الإسراع في نقل اختصاصات الدولة إلى الجهات وفق مبدإِ التَّدريج والتمايز فيما بينها، وإعطاء الصدارة للأقاليم الجنوبية للمملكة بما يُهَيِّئُهَا منذ الآن لنظام الحكم الذاتي، وتفعيل سياسة اللاتمركز الإداري وتقوية اللامركزية.
- وإذا كانت الوحدة الترابية هي ثابت من الثوابت الدستورية الجامعة للأمة المغربية، فإن الوحدة الوطنية وتجذير الحس الوطني هو المضمون الحيوي لوحدة التراب، لذلك نجدد التأكيد على أن صيانة مقومات حماية الوطن تقتضي:
- تحصين الإنسية المغربية بمختلف مكوناتها المتنوعة والمتجانسة والمتكاملة، الإسلامية-العربية، والأمازيغية (وفي هذا الإطار يُشِيدُ حزبنا بدَسْتَرَةِ اللغة الأمازيغية كمكون رئيسي للهوية المغربية والجدية التي يتسم بها تفعيل الطابع الرسمي لها كما يُثمن قرار ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنها)، بالإضافة إلى الثقافة الصحراوية- الحسانية؛
- تقوية روابط الانتماء للوطن وترسيخ روح المواطنة، في إطار غِنَى التنوع الثقافي والتعدد اللغوي وحماية المجتمع من النعرات القبلية والمناطقية ومن خطابات التفرقة التي تستهدف ثوابت وقيم الأمة المغربية؛
- تعزيز منسوب الإخلاص للمشروع الوطني الجماعي وللإجماع الوطني حول ثوابت البلاد ومقدساتها وخياراتها الكبرى؛
- ترصيد ما تحقق من مكتسبات في مجال تحقيق الأمن الروحي في ضوء النموذج المغربي المتفرد لتدبير الشأن الديني القائم على الوسطية والاجتهاد والاعتدال والتسامح.
- وارتباطا بالبعد الهوياتي والقيمي، وفي ظل ما يُعْتَمَلُ في مجتمعنا من تحولات ونقاشات حول ممارسة الحقوق والحريات، بين السقف الدستوري المتقدم ونُزوعات الانفتاح الكوني، يتعين تحصين المكتسبات التي حققتها بلادنا في إطار المنظومة الوطنية للحقوق والحريات، وتمنيع الإنسية المغربية من الأفكار والشوائب والممارسات والسلوكات التي تتنافى مع حرية التعبير ومبادئ حقوق الإنسان، وتتعارض مع قيم المجتمع والثوابت الراسخة للأمة التي يكرسها دستور المملكة. فليس من المواطنة الحقة والمسؤولة استغلالُ فضاء الحريات للمس بالحياة الخاصة للأشخاص التي يحميها الدستور والقانون، وبث خطابات الكراهية والتفرقة، والترويج لنماذج دخيلة وغريبة تستهدف مؤسسة الأسرة والسكينة والتساكن داخل المجتمع المغربي.
حضرات السيدات والسادة؛
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛ - يتزامن انعقاد هذه المحطة التنظيمية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي الظالم على قطاع غزة وباقي المناطق الفلسطينية، وإمعان آلة الحرب الإسرائيلية في استهداف المدنيين العُزَّل، وإحداث دمار شامل للبنيات التحتية وللمستشفيات والمدارس ودُور العبادة، فضلا عن الحصار الجائر الذي حرم الفلسطينيين من أبسط مقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء وكهرباء ودواء.
● لذلك كان موقف جلالة الملك أيده الله، رئيسِ لجنةِ القدس، حازما في رفضه وإدانته لكل التجاوزات وسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري ومحاولة فرض واقع جديد من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا الأعمال العسكرية الإسرائيلية الانتقامية في قطاع غزة بأنها انتهاكات جسيمة تتعارض مع أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
● ومن جهته، تابع حزب الاستقلال بقلق كبير التطورات الميدانية الخطيرة التي تعرفها الأراضي الفلسطينية بسبب العدوان الإسرائيلي السافر على المدنيين الفلسطينيين، وما خَلَّفَهُ من تدمير ممنهج وكارثة إنسانية تعيش على وَقْعِهَا ساكنة قطاع غزة، ليُعَبِّرُ عن شَجْبِهِ وإدانته للمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، وحرمانه من مقومات الحياة، في خرق سافر لقوانين الشرعية الدولية وللقيم الإنسانية.
● وإيمانا من حزبنا بعدالة القضية الفلسطينية، وبِسُمُوِّ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فإننا أمام حجم المأساة غير المسبوقة التي يعانيها إخواننا الفلسطينيون اليوم، نُشْهِرُ في حزب الاستقلال، اللاءات الحازمة التي تعبر عن المواقف الراسخة لحزبنا بشأن القضية الفلسطينية:
1- لا لسَفْكِ الدم الفلسطيني واستهداف المدنيين العُزّل وكافة أعمال العنف والإرهاب ضدهم؛
2- لا للتهجير القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، لما يشكله ذلك من انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني؛
3- لا لتصفية القضية الفلسطينية بالتهجير والاستيطان، ولِيَكُنْ تفكيكُ المستوطنات مقدمةً لحل عادل للدولة الفلسطينية بمقومات الحياة والسيادة والاستدامة؛
4- لا للحصار والدمار والتجويع، ونعم لضمان وتسهيل النفاذ السريع والآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية دون عوائق؛
5- لا لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والسياسي والروحي للقدس، ولا للممارسات والاعتداءات التي تطال المسجد الأقصى، وتستهدف المصلين، وتستفز مشاعر المسلمين عبر العالم؛
6- لا سلام ولا استقرار في المنطقة، دون ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفق حل الدولتين؛
7- لا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف.
حضرات السيدات والسادة؛
أخواتي، إخواني؛ - على غرار الدينامية الإيجابية التي عرفتها قضية وحدتنا الترابية، كان لابد من إحداث رَجَّةٍ إصلاحية للحقل السياسي لكسب رهان ترسيخ الخيار الديمقراطي وإعادة الأمل والثقة للمغاربة في الفعل السياسي وإضفاء دينامية جديدة على العمل السياسي والمؤسسات السياسية بما يستجيب لانتظارات وتطلعات المواطنات والمواطنين.
- وفي هذا السياق، نجحت بلادنا، تحت القيادة النيِّرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في إجراء المراجعات الدستورية والمؤسساتية الضرورية، أعقبتها صحوة سياسية استهدفت تطوير الحقل السياسي وتعزيز الممارسة الديمقراطية وتقوية دولة القانون والمؤسسات، من خلال تجويد المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات لإنعاش المشاركة السياسية والمواطنة وإرساء مزيد من الشفافية والنزاهة على الممارسة الديمقراطية، فضلا عن إخضاع القانون المتعلق بالأحزاب السياسية للمراجعة والتعديل بما يقوي أدوارها في الوساطة السياسية ويُعزِّز مهامها الدستورية والتمثيلية.
● وكان حزبنا في قلب هذا التحول السياسي، بمساهمته المسؤولة في إنضاج مصالحة المواطنين مع الشأن السياسي، وفي استعادة المصداقية للفعل السياسي واسترجاع الثقة في جدوائية المشاركة الشعبية لإحداث تغيير في السياسات وإجراء القطائع والانتقالات، فضلا عن مساهمة حزبنا في تجويد المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات من خلال تعديلات واقتراحات مؤثرة لَقِيَتْ قَبُولاً واستحسانا لدى كل الفاعلين والفُرقاء السياسيين.
● وبنفس الروح الإيجابية والبَنَّاءَةِ ساهمنا في بلورة ورش النموذج التنموي الجديد الذي تقاطعت مخرجاته إلى حَدٍّ بَعِيدٍ مع روح ومضمون العرض الاستقلالي والمشروع المجتمعي التعادلي.
● كما ساهمنا في بلورة مشروع الميثاق الوطني للتنمية الذي دعا إليه جلالة الملك حفظه الله والذي يحدد الثوابت والقطائع والتوجهات الضرورية من أجل تحقيق انتقال تنموي يستجيب لحاجيات المواطنات والمواطنين ويتفاعل مع مطالبهم وتطلعاتهم.
● وترافعنا ولا زلنا نترافع عن تخليق الممارسة السياسية وترسيخ ثقافة الصالح العام وإعمال ربط المسؤولية بالمحاسبة والوفاء بالمواثيق والالتزامات، وتحصين العمل السياسي والانتخابي مما قد يُسيئُ إليه من أفعال مَشينة وممارسات غير أخلاقية.
● ولأن المناسبة شَرْطٌ، ومن باب إعلاء مصلحة الوطن والمواطن التي هي دائما فوق كل اعتبار، فإننا ندعو باقي فرقاء القوى الوطنية والديمقراطية الجادة “إلى كلمة سواء” للارتقاء بالممارسة السياسية ببلادنا، وتجاوز الصعوبات التي تحول دون أن يلعب الفاعل الحزبي والسياسي دوره الكامل في مواكبة التطلعات الإرادية لبلادنا بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والمطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين.
● نعم، نحن مدعوُّون جميعا كأحزاب لِنَضَعَ اليد في اليد لصياغة ميثاق وطني لتخليق الممارسة السياسية والتقاط الإشارات الملكية الواردة في الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس أيده الله، بتاريخ 17 يناير 2024، إلى المشاركين في الندوة الوطنية المُخلِّدة للذكرى الستين لقيام أول برلمان منتخب في المملكة المغربية، والتي دعا من خلالها جلالتُه إلى “ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية وتخليق الحياة البرلمانية وإقرار مدونة للأخلاقيات تكون ذات طابع قانوني ملزم”.
● مدعوون للمساهمة في تعزيز فعالية النظام التمثيلي وتقوية منسوب الثقة في المؤسسات المنتخبة بما يساهم في تعضيد النموذج الديمقراطي المغربي وتسخير الذكاء الحزبي والسياسي الجماعي للإجابة على الإشكالات التالية: - كيف يمكن تحسين جاذبية العرض السياسي الوطني في ظل تنامي مستويات الوعي، وارتفاع سقف المطالب والانتظارات، وبروز وسائط جديدة للتأطير والتعبئة والترافع العمومي والسياسي؟
- كيف يستعيد الفعل السياسي مصداقيته في تمثيل المواطن والترافع عن مطالبه المشروعة؟ وكيف يمكن استرجاع ثقة المواطن في الوساطة الحزبية؟
- كيف يمكن تحقيق الانسجام والتناغم بين تعزيز الثقة في المؤسسات وفي الديمقراطية، وفعالية البرامج والسياسات العمومية وتحقيق أثر ذلك على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين؟
- كيف نجعل من خدمة المواطن هدفا أسمى مستداما في مختلف المواقف والممارسات والمبادرات الميدانية والترابية التي يقوم بها الفاعلون السياسيون، خارج منطق الحملات الانتخابية؟
- وكيف تصبح الممارسة السياسية في صميم جهود التأهيل والتنمية للمجتمع المغربي، واقتراح الحلول والبدائل المبتكرة والناجعة للإشكاليات المطروحة في التشغيل والتعليم وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية؟
● ولأن سقف الطموح الذي نُريده لحزب الاستقلال، برصيده التاريخي والفكري والسياسي، سيبقى سقفا مُتقدما وشامِخا في القريب والمتوسط والبعيد مِنَ الآمَاد، عَبَّأْنَا التفكير الاستقلالي لبَلْوَرة رؤية جديدة للممارسة السياسية نريد أن نتقاسمَها مع باقي الشركاء في أفق التملك الجماعي والانخراط الواسع، تقوم (هذه الرؤية) على:
- التفاعل: من خلال القرب الترابي المتواصل من المواطنات والمواطنين في الحي أو الدوار أو الدائرة أو الجماعة، والإنصات إلى حاجياته وانتظاراته وانشغالاته، والتعبير عنها ومناقشتها داخل المؤسسات التمثيلية؛
- الترافع: من خلال تعبئة وتأطير النقاش العمومي وتنشيط فضاءات الحوار المدني، وتبني مطالب المواطنات والمواطنين المشروعة في إطار مبادرات مواطنة تفعل إمكانيات وآليات الديمقراطية التشاركية؛
- التفكير والتوجيه الاستراتيجي: من خلال المساهمة في إنضاج التوجهات الوطنية الكبرى (مقومات المواطنة /الجهوية المتقدمة/ الصعود الاقتصادي/ التشغيل/ التوزيع العادل للثروة/ محاربة الفساد…) ومواكبة التحولات المجتمعية وتعقيدات الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين/ وذلك باعتبار الحزب قوة اقتراحية في وضع وابتكار البدائل الناجعة والملائمة، وبلورة الحلول العملية، واستباق الأزمات والإشكاليات، واستشراف متواصل للمستقبل؛
- العمل: من خلال ترجمة حاجيات وانتظارات وانشغالات المواطنات والمواطنين إلى تدابير عملية وحلول مبتكرة قابلة للتنفيذ، إما عبر الأنشطة الميدانية لتنظيمات الحزب، أو مقترحات التشريع (البرلمان) أو عبر مخططات وبرامج القطاعات والمؤسسات المعنية بوضع السياسات العمومية وتدبير الشأن العام (الحكومة/ المجالس الترابية المنتخبة…).
- واليوم، بعد الوقوف على المحطات التنظيمية والسياسية التي شهدَها حزبُنا وهو يستعيدُ بالتدرِيج مكانتَه في بناء التعاقدات الكبرى لبلادنا، ويستأنفُ أدوارَه في التأطير والتعبئة والاقتراح كقوة للتوازن داخل تقاطبات المجتمع، يَجْدُرُ التأكيد على أن مسالك التفكير والعمل والتدبير التي أتَيْنَا بها ضمن المشروع المشترك والرؤية الجديدة، ما تزالُ تحتفظُ بجَدْوائيتها وراهِنِيَتِهَا من حيثُ المقاربات والغايات، مع ما يقتضيه ذلك من تحيينٍ وتطويرٍ للتدابير، وتسريعٍ في وتيرة الإنجاز، وبلورةٍ لطموحات جديدة في أفق الولاية القادمة وما بعدَها.
حضرات السيدات، والسادة؛
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛ - رغم الظرفية الصحية الصعبة التي كانت تمر بها بلادنا بسبب جائحة كورونا وما رَافَقَهَا من إكراهات، استطاعت بلادنا تَنظِيمَ الاستحقاقات الانتخابية في موعدها الدستوري، وكَسْبِ رهانِ ترسيخ المسار الديمقراطي.
- وكانت الإرادة الشعبية حاسمة في إفراز تناوب ديمقراطي جديد طالما نَادَيْنَا بأن بلادنا في أمس الحاجة إليه لإحداث التغيير المنشود من قبل المواطنات والمواطنين، واختارت إرادة شعبنا حزب الاستقلال ضمن التحالف المنتخب لقيادة هذه المرحلة.
- وتَشَكَّلَ فريق حكومي بامتداد ترابي، يطبع أداءَه التجانسُ والانسجام والنجاعة، والإرادة القوية للعملِ ومباشرةِ الإصلاحات المنشودة، وتغيير السياسات العمومية المُتَّبعة، والقطع مع الاختيارات المتجاوزة، وإرساء تعاقدات مجتمعية جديدة كفيلة بإحداث القطائع والتحولات وخَلْقِ الطَّفْرَاتِ التنموية والرَّجَّات الاجتماعية لِطَمْأَنَةِ المواطنات والمواطنين في نهج طريق التحول والإصلاح.
- ولأن البعد الاجتماعي، أولوية ملكية، سَارَعْنَا في الحكومة، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس أيده الله وعملا بتوجيهاته السامية مُطَوَّقِينَ بالتزاماتنا في البرنامج الحكومي الموسوم بالمسؤولية السياسية والهوية الاجتماعية إلى إحداث ثورة اجتماعية غير مسبوقة، بما تضمنته من إصلاحات اجتماعية هيكلية مُطردة لإرساء دعائم الدولة الاجتماعية، من خلال إطلاق مجموعة من البرامج الاجتماعية على مدى العقدين الأخيرين، في مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وبرامج تمدرس الأطفال مثل “برنامج تيسير” و “برنامج دعم الأرامل”…
- برامج وإصلاحات كبرى تُوِّجَت بتفعيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس أيده الله كَدَعامة أساسية لتكريس خيار الدولة الاجتماعية بأبعادها المختلفة، والذي استهدف تمكين المغاربة من التأمين الإجباري على المرض، والاستفادة من التعويضات العائلية وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل.
● وفي هذا الصدد، انتقلت بلادُنا إلى سقف أعلى في تنزيلها للحماية الاجتماعية بفضل المبادرة الملكية المتعلقة بإطلاق برنامج للدعم الاجتماعي المباشر، والذي مَكَّنَ ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف أُسْرَة (أي ما يقارب 12 مليون مواطن) المستوفية لشروط الاستهداف بعد تسجيلها في السجل الاجتماعي الموحد، من دعم شهري مباشر لكل أُسْرَة لا يقل عن 500 درهم.
● وطال التوجه الإصلاحي كذلك مجال تقليص الفوارق الاجتماعية وتسهيلِ سُبُلِ الارتقاء الاجتماعي، من خلال:
- تخصيص موارد مالية مهمة لقطاع الصحة والتعليم، بالنظر إلى أهمية الخدمات المتعلقة بتأمين ولوجِ وجودة التَّمدرس والعلاجات للمواطنات والمواطنين، لاسيما المعوزين منهم وذَوِي الدَّخْلِ المحدود؛
- تحسين الدخل في إطار الحوار الاجتماعي، وبهذا الخصوص نود تهنئة السيد رئيس الحكومة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على توقيع الاتفاق الاجتماعي والذي يشكل محطة أخرى من المحطات الأساسية في مسار الحوار الاجتماعي بعد المحطة التاريخية لاتفاق 26 أبريل 2011 مع حكومة الأستاذ عباس الفاسي؛
- إطلاق برنامج الدعم المباشر للسكن، الذي سيمكن فئات واسعة من المواطنات والمواطنين من اقتناء سكنهم الرئيسي؛
- ضمان الولوج إلى الماء، من خلال إحداث تحول حاسم في تنزيل السياسة المائية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية التي تتمحور حول:
- تحلية مياه البحر لدعم ضمان تزويد المدن الساحلية بالماء الصالح للشرب وإعادة استعمال المياه العَادمة لسقي المساحات الخضراء والملاعب الرياضية؛
- تسريع بناء السدود الكبرى والتلية والربط بين الأحواض المائية؛
- الاقتصاد في الماء والحد من تبذِيره من خلال تدبير عقلاني لمياه الشرب بالرفع من مردودية قنوات توزيع الماء الصالح للشرب وقنوات جَرِّ وتوزيع مياه السقي لاستعمال أمثل للمياه في كل مجالات استغلالها واستعمالها؛
- الحفاظ على الموارد المائية الجوفية كمورد استراتيجي للفرشة المائية.
- لقد بصمت بلادنا على تحول اجتماعي هام موسوم بالإنصاف والإدماج وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة والتوريث الجيلي للفقر، وهي تَسِيرُ الآن، بخطى ثابتة ورزينة، وفقا للتوجيهات السديدة لجلالة الملك، نحو مراجعة مدونة الأسرة، من أجل الارتقاء بأوضاع المرأة وإحقاق المصلحة الفضلى للأطفال وتقوية مكانة وتماسك الأسرة المغربية، في ظل الثوابت الجامعة للأمة المغربية.
حضرات السيدات والسادة؛
أيتها الاخوات، أيها الإخوة؛ - وعلى منوال التحول الاجتماعي، أنجزت بلادنا طفرة تنموية بفضل سياسة الأوراش الكبرى والبنيات التحتية المهيكلة ذات المواصفات الدولية، تحققت معها إنجازات كبرى على مستوى التجهيزات التحتية واللوجيستيكية والمنشآت التقنية والعمرانية ذات الإشعاع القاري والإقليمي.
- وهي الآن تتأهب لإنجاز جيل جديد من المشاريع الاستراتيجية في مجالات، الطرق والنقل والربط البحري والمنشآت الرياضية ومرافقها ذات المواصفات الدولية في إطار تحضير بلادنا لاحتضان منافسات كأس العالم 2030، ومحطات تحلية مياه البحر على امتداد السواحل المغربية، وغيرها من المشاريع والأوراش، التي من شأنها تعزيز الموقع الدولي لبلادنا كواجهة للاستثمارات الأجنبية، وكقطب اقتصادي واعد في قطاعات ومهن المستقبل (الهيدروجين الأخضر الطيران- صناعة البطاريات – الأمونياك الأخضر…).
- ولمواكبة هذه التحولات، فإننا مدعوون للانتقال إلى السرعة القصوى في بناء القدرات والكفاءات وإدماج وتثمين العنصر البشري بما يجعله فاعلا ورافعة أساسية للزخم التنموي الذي تشهده بلادنا.
- مدعوون إلى ترصيد المهارات والكفاءات الوطنية بما فيها مغاربة العالم لمواكبة رهانات أوراش الإصلاح والتطور وخاصة من ذوي المؤهلات والخبرة والتجربة العالية في الحكامة الجيدة والقطاعات الحيوية، ومهن المستقبل كالتكنولوجيات الرقمية والتكنولوجيات البيولوجية والذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة وغيرها، لإنجاح
مسار بلادنا كقوة إقليمية صاعدة، وفضاء للاستثمار والاستقرار.
- مَدعوُّونَ إلى تعزيز الثقة في مؤسسات الوساطة من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، بحيث تكون قويةً بمصداقيتها وقوتها الاقتراحية وقدرتها على تأطير المواطنات والمواطنين، وهو ما يفترض تعزيز دورها وتأهيلها وتجديد آليات اشتغاله.