السعدي يكتب.. رجال السلطة بطنجة، أصل الأزمة

بقلم : الصحافي فؤاد السعدي

واقع مختل تعيشه مدينة طنجة يعزوه بعض المتتبعين إلى ما وصفوه ب “ضعف الإدارة الترابية” وعدم قدرتها على فرض نوع من الحزم في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في حق كل من ثبت بشأنه تقصير في القيام بواجباته ومسؤولياته المهنية. وهنا نستحضر خطاب جلالة الملك عندما قال: “فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز”.

فكما أعلن الوالي التازي عزمه على شن حرب ضروس على الهيئات المنتخبة المتورطة في ملفات الفساد يجب ألا يفتر هذا العزم عندما يتعلق الأمر بأحد رجاله من قياد وباشوات، وهو المعروف باشتغاله لمصلحة الوطن بهدوء، والضرب بقوة على أيدي كل من سولت له نفسه خرق القانون ونشر الفساد الإداري.

فعندما أصدر قرار التوقيف في حق قائد الملحقة الإدارية التاسعة مكرر وإلحاقه بمصالح الولاية أرسل إشارات إيجابية بكونه يواكب بشكل يومي ما يقع بنفود تراب كل المناطق والملحقات الإدارية وعازم على تكريس مفهوم “الجدية” لمواجهة الفاسدين العابثين ومنعدمي الضمير، ممن باتوا يشكلون أكبر تهديد للسلم والأمن الاجتماعي، وأكبر معرقل لما تتطلع إليه المدينة من إقلاع تنموي شامل، وبالتالي لن نطلب أن تصل الرسالة إلى من يهمهم الأمر، كما لن ننتظر منهم أن “يلعنوا الشيطان” ويقطعوا بشكل لا رجعة فيه، مع ما يقترفونه في حق الوطن والمواطنين من جرائم واضحة ومستترة، ولكن نطالب باستحضار الإرادة الحقيقية التي لا لبس فيها، في التصدي لجبهة الفساد، ومن يختفي وراءها، ممن يكرسون مفهوما للوطن مقرونا بمفردة “البقرة الحلوب” التي لا تصلح إلا للحلب والعبث والنهب والسلب والإبتزاز.

كما لا نطالب الوالي باستحضار مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” بل نأمل في إنتقاله من مستوى الشعار إلى مستوى الأجرأة والتطبيق، بعدما تبين أن النداءات والدعوات والرسائل، مازالت عاجزة كل العجز عن كسر شوكة العبث المستشري في عدد من الأوساط ومنها الإداراة الترابية.

لا يختلف اثنان أن مدينة طنجة أصبحت تعرف العديد من مظاهر العبث والتخبط خصوصا على مستوى ممارسات بعض رجال السلطة ممن تعودوا على استغلال وظيفتهم للحصول على أكبر منفعة شخصية ممكنة في غياب الرقابة والمحاسبة.

فلو أردنا أن نراجع الخطايا الإدارة الترابية في عرقلة التنمية بالمدينة ثقافيا سياسيا اجتماعيا واقتصاديا، لألفنا فيها مجلدات ضخمة. خطايا تشمل المسؤولية في اختلالات التعمير والبناء العشوائي، وتفشي مظاهر احتلال الملك العمومي في وسط المدينة كما في هوامشها والصمت عن تغول مافيات العقار، وغيرها كثير من الاختلالات التي تعتبر السلطة المحلية مسؤولة عنها بشكل مباشر أو غير مباشر باعتبار رجل السلطة وسيط للإدارة وهو أول من ينبغي محاسبته قبل باقي الوسائط.

فالرصد اليومي لواقع بعض رجال السلطة بالمدينة يسجل أن المعيش اليومي لم يبرهن بالملموس عن إقلاعهم عن بعض الممارسات المنبوذة التي توحي بسطوة السلطة واستمرار استعلائها على المواطنين، بممارسة سلوكات مزاجية متجاوزة في تطبيق القانون على البعض واستثاء البعض الآخر، ولعل الحالة التي صارت عليها شوارع المدينة من انتشار مظاهر الاحتلال الملك العام والبناء العشوائي مبرر كافي للوالي التازي كي يقوم بإعادة انتشار جزئي يسمح بملاءمة المناصب مع الكفاءات خصوصا بعدما أثبتت الممارسة الميدانية تقصير بعض رجال السلطة من قياد وباشوات في القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم المهنية، ما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تحقيق فعالية أكبر وترشيد أمثل للموارد البشرية بهيئة رجال السلطة من خلال تكريس معايير الكفاءة والاستحقاق في تولي مناصب المسؤولية.

الأكيد أن الوالي التازي يعي جيدا أن تكريس سيرورة التنمية الرائدة التي عرفتها مدينة طنجة خلال فترة الوالي امهيدية وقبله الوالي اليعقوبي لن يتأتي بحضور مثل هذه النماذج من رجال السلطة التي تنقصها المهنية ويغلب عليها منطق الحرص على تحقيق مكاسب شخصية لأن تكريس مقاربة ناجعة في تدبير هيئة رجال السلطة يقوم على الحرص على الالتزام الصارم بمعايير الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في تولي مناصب المسؤولية، وربطها، على جميع المستويات، بتفعيل آليات المحاسبة.

ويبقى السبيل الأنجح لتدعيم الحكامة الترابية الجيدة هو الرقي بعمل الإدارة الترابية، وفق دينامية إيجابية تجعل الإدارة في خدمة المواطنين لمواكبة حاجياتهم ولرعاية مصالحهم وليس الاستعلاء عليهم. فهل سيتحرك الوالي التازي لتصحيح ما أفسده رجاله حتى قبل أن يتربع على كرسي ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة؟

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة