الصحافي فؤاد السعدي
الجبن السياسي لمجلس جماعة طنجة، ليس حكم قيمة، بل وصف لمسار من الرضوخ والإنبطاح والتنازلات و”غياب الرؤية” وضعف القيادة لتحالف ثلاثي مهزوم، هش ومرتبك، أبان منذ توليه تدبير الشأن المحلي “بلي مافيدوش” في تدبير مجموعة من الملفات وعلى رأسها احتلال الملك العمومي والنظافة والنقل الحضري وغيرها. “مافيدوش” في فرض سيادة القانون على جميع المواطنين من دون محابات لأحد “قضية مقهى RR ICE نموذجا”. ولا يملك الجرأة السياسية ليعلن صراحة رفضه تغول الإدارة الترابية وفرضها لتدابير تصل إلى حد الشطط في استعمال السلطة، ولا حتى الشجاعة الكافية لاتخاذ القرارات الصائبة واللازمة في الأوقات والظروف المناسبة. فهل نحن حقيقة أمام تحالف جبان ومجلس جماعي منبطح؟
واقع الحال للأسف يكشف الإرادة المسلوبة لأعضاء جماعة طنجة، وافتقارهم إلى المعارف والقدرات الضرورية للاضطلاع بأدوارهم التدبيرية. وكيف استغلت السلطة ضعفهم وافتقادهم لأي رؤية سياسية لتعلن تدخلها في تدبير العديد من الملفات هي في الأصل من اختصاصاتهم. فهم لا يدركون أن ضعف المجلس لا يؤثر سلبا فقط على مسار التنمية، بل يساهم أيضا في ارتفاع منسوب فقدان الثقة في المنتخب والأحزاب السياسية على السواء، وبالتالي ارتفاع نسب العزوف السياسي والانتخابي داخل المجتمع. ويبقى السؤال المطروح أمام هذا الوضع الشاد والإستثنائي، هو ماذا فعل مجلس جماعة طنجة للدفاع عن نفسه ضد هيمنة مؤسسة الوالي وسلطة الرقابة الشبه مطلقة التي تمارسها عليه؟ والأكثر من ذلك ماذا فعل المجلس الجماعي للخروج من وضعية الوهن والجبن والإنبطاح الذي وضع نفسه فيه؟
منتخبون طالما دافعنا عن حقهم في الترافع عن قضايا الساكنة والتعبير عن موقفهم الرافض لهيمنة مؤسسة الوالي على المجلس المنتخب عندما أقر بإيقاف بعض الإجراءات الإدارية التي تدخل في صميم اختصاصاته كاستصدار الشواهد الإدارية للتزود بالماء والكهرباء، وكذا رخص الإصلاح في مجال التعمير في محاولة منه لإبعاد شبهة الفساد والإفساد عن رجالاته وإلصاقها بالمنتخبين، الحلقة الأضعف في المنظومة الديمقراطية.
فوصفنا لمجلس جماعة طنجة بالجبن لا يدخل في باب التجني على أعضائه، ولكن هو الواقع المؤسف الذي يرفض البعض تقبله تحت مبررات مرتبطة بالمنظومة القانونية المنظمة للعلاقة بين المؤسسة المنتخبة ديمقراطيا والادارة الترابية. واقع حتى ولو افترضنا جدلا أنه يطلق يد السلطة على حساب اختصاصات المنتخب فهذا لا يعني أن يلتزم هذا الأخير الصمت وعدم التعبير عن انشغالات الساكنة وهمومها، وهو ما لم نعاينه خلال أشغال الدورة الاستثنائية الأخيرة عندما ابتلع جميع المستشارين ألسنتهم وفضلوا السكوت عن إثارت العديد من القضايا الراهنة التي تناولتها الصحافة بإسهاب، لعل أبرزها واقعة 80 مليون سنتيم التي وجدت بحوزة شخص تم تكليفه بتدبير سوق المواشي بدون سند قانوني في “صفقة” أثارت الكثير من علامات الاستفهام خصوصا فيما يتعلق بالطريقة التي تم بها تفويت هذا السوق ومصير العائدات المالية المستخلصة من هذه “الصفقة المشبوهة”، وهل حُولت الى خزينة الجماعة أم إلى جيوب جهات معينة مقابل “ايديرو عين ميكا”. وهل أخذت المفتشية العامة للداخلية علما بالواقعة؟ وكيف ابتلع العمدة ونائبه لسانهما وسكتا عن الكلام المباح، في حين صدحا عندما انتقدنا تدبير قطاع النظافة أيام عيد الأضحى.
قضية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها أجمع أعضاء مجلس جماعة طنجة أيضا عن عدم إثارتها خلال أشغال الدورة الإستثنائية، يتعلق الأمر بقضية مقهى “RR ICE” وما ارتبط بها من خروقات سواء المتعلقة باحتلال الملك العام البحري أو بمزاولة نشاط تجاري بدون ترخيص. وهي القضية التي استأثرت باهتمام الرأي العام المحلي. بالمقابل لم يصدر أي رد فعل سواء من مسؤولي الجماعة أو من مؤسسة الوالي، الشيء الذي فتح الباب للعديد من التأويلات حول الجهة التي تتولى حماية مصالح صاحب هذا المقهى وبأي مقابل. وما رأي رئيس قسم الموارد المالية بالجماعة فيما يجري ويدور؟
صمت أعضاء المجلس بخصوص هذه الملفات يدخل في خانة التواطؤ الضمني مع الفساد، والتستر العلني على المفسدين، وجبن واضح في الدفاع عن مصالح الساكنة، وتشجيع صريح على خرق القانون، الأمر الذي يسوجب معه الاعتراف بالفشل في مهمة تمثيل الساكنة والدفاع عن مصالحها، ولما لا التحلي بالجرأة السياسية والشجاعة لإعلان الرحيل وتقديم الإستقالة من المجلس وترك المقعد لمن هو أشجع وأجدر به و ” لي كرشو خاويا أو مافيها عجينة”.
اليوم مع كل هذه المظاهر، يعيش مجلس جماعة طنجة، وضعا لا يبشر بالخير، وضعا يتسم بالتوتر والاحتقان وعدم التوافق بين مكوناته بسبب صراعات معلنة وخفية لا ندري أسبابها ومسبباتها الحقيقية، فالمتتبع للشأن المحلي، يقف على واقع لا يرتفع، حيث تحولت أغلب الدورات التي يعقدها المجلس إلى حلبة لتبادل الاتهامات وهدر الزمن التنموي في اللغو وتصفية الحسابات السياسوية الضيقة والتطاحن بين الرئيس ومكونات الأغلبية المسيرة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، ما أدى إلى خلق أزمة داخل دواليب المجلس، الشيء الذي سهل وأتاح الفرصة لهيمنة الإدارة الترابية وبسط سيطرتها عليه حتى صار في حكم “المجلس القاصر”. وضع بقدر ما يخدم السلطة ومصالح رجالاتها بقدر ما يعطل عجلة التنمية بالمدينة.
فلم نتصور في يوم من الأيام عندما قمنا بتشخيصٍ لمسار التنمية بطنجة خلال فترة الوالي امهيدية وقبله الوالي اليعقوبي وتبين بأنه يسير بإيقاعين متباينين الأول سريع ومنضبط تمثلها مؤسسة الوالي، والثاني بطيئ وعشوائي تجسدها المجالس المنتخبة المتعاقبة، أنه سيأتي علينا يوما نعيش فيه على إيقاع العبث سواء على مستوى الإدارة الترابية أو على مستوى المجلس المنتخب. فهل بهؤلاء اللاعبين يمكن لطنجة أن ترفع تحدي 2025 و2030؟