الصحافي فؤاد السعدي
رغم التوجه الحكومي نحو تشديد إجراءات المراقبة على الإستغلال المؤقت للملك العمومي، إلا أن هذا الأخير، لا زال مستباحا، لأرباب المقاهي والمطاعم الفاخرة بمدينة طنجة، حتى أضحى هذا الاحتلال حقا مشروعا لكل من هب ودب لدرجة استعصى معه تحريره من قبضة المترامين عليه ممن لا يتورعون في الدفاع عن حقهم المكتسب حتى ولو اقتضى الحال مواجهة السلطات.
وعندما نقول احتلال الملك العمومي بطنجة، فإننا نتحدث عن ”المهزلة”، بكل المقاييس، تضرب في العمق سمعة المدينة، ومعضلة حقيقية ومتشعبة تواجه السلطات المحلية على غرار مختلف المدن المغربية، في ظل غياب قوانين صارمة لردع المتسلطين على الملك العام الذي أصبح مستباحا بشكل يستدعي إلى القلق، رغم الحملات التي تقوم بها السلطات المحلية لتحريره من الحين إلى الآخر.
فالإجهاد المبالغ فيه للسلطات المحلية، واستنزاف طاقاتها في محاربة ظاهرة احتلال الملك العمومي بطنجة مرده من دون أدنى شك إلى تهاون عمدة المدينة والمصالح الإدارية التابعة له في التصدي لها وعدم التقيد بالقوانين وتنفيذها، وهو ما يعتبر من الأعطاب التي تعرقل مواصلة مسلسل التنمية بالمدينة، إذ أن بقاء المجلس الجماعي مكتوفي الأيدي وفي موقف المتفرج، إزاء هذه الظواهر والتجاوزات المتعددة المرتبطة بها، يؤثر سلبا على المسار التنموي للمدينة، بل ويزرع ويغذي روح التشكيك لذا المواطنيين في جدوى ومصداقية هذا المجلس.
فمسألة احتلال الملك العمومي بالجماعة الترابية بطنجة، هي واحدة من هذه المظاهر التي تؤرق المواطنين وتسائل ضمير من أسندت إليهم مسؤولية السهر على تسيير الشأن المحلي وعلى رأسهم العمدة منير الليموري على اعتبار أنه الوحيد من يخول له القانون ممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية عبر اتخاذ قرارات تنظيمية جماعية أو فردية إما بالإذن أو الأمر أو المنع، وبالتالي فهو الوحيد المطالب بحماية الملك العمومي من كل التجاوزات.
صحيح أن موضوع مراقبة احتلال واستغلال الملك العام الجماعي هي مسؤولية مشتركة بين رئيس المجلس والسلطات المحلية يمارسها كل واحد بصفة مستقلة أو بشكل مشترك عبر لجان تنسيق تضم أعوان وموظفي الإدارتين، لكن عندما يتبين عجز أو تخاذل أو فشل رئيس المجلس في تطويق هذه الظاهرة والحد من استفحالها وجب على السلطة المحلية تفعيل صلاحياتها بواسطة إقرار وتنفيذ العقوبات كالإنذار أو سحب الرخصة أو إغلاق المحل أو الحجز حتى ولو اقتضى ذلك استخدام القوة العمومية.
ولن نخوض في موضوع تخاذل وفشل عمدة طنجة لأنه أصبح مألوفا ليس فقط في محاربة ظاهرة احتلال الملك العام لكن في معالجة العديد من القضايا التي تهم الشأن المحلي، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع وراء إلتزامه الصمت اتجاه تجاوزات عدد من أصحاب المطاعم والمقاهي التي ثبت في حقهم الترامي على الملك العمومي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتسائل مواطنون عن أسباب استثناء مقهى فاخر بمنطقة الغندوري من قرار الهدم رغم احتلال صاحبها لقطعتين أرضيتن تابعتين للملك العمومي البحري دون سند قانوني يذكر، بحيث شرع في استغلال أحدهما كمرآب للسيارات تابع للمقهى، فيما سهر على تجهيز القطعة الأخرى في إطار التوسيع “طيراس”، وهو ما يطرح أكثر من علامات الاستفهام حول الجهة التي تتولي حمايته. فهل هي مؤكدة الأخبار التي تروج حول استفادة صاحب المقهى من حماية استثنائية من جهات نافذة؟ هل يتوفر المعني على ترخيص قانوني يخول له استغلال كل هذه المساحات من الملك العمومي البحري رغم مذكرة وزير الداخلية الصارمة في هذا الشأن؟ وهل يتوافق حجم الاستخلاص الضريبي للجماعة مع المساحات المحتلة وأسعار المشروبات المعروضة؟ وهل سيجرؤ عمدة طنجة هذه المرة ويخرج ببلاغ صحفي يكشف فيه حقيقة ما يتم تداوله من أخبار بخصوص منطق الانتقائية والمحابات في حساب قيمة الضريبة على مستغلي الملك العمومي و الضريبة على المشروبات؟ هل سيتحلى العمدة بالشجاعة أيضا ويكشف للرأي العام الطنجاوي مساطر اكتساب الحق في استغلال كل هذه المساحات من طرف صاحب المقهى المحظوظ وفضاءات أخرى بجوار محلات ومقاهي فاخرة مماثلة كالساحة المحادية لمقهى “كينكنسيكي” والساحة المجاورة لقاعة الحفلات الأنوار وطول الشارع المحادي لمقهى كابتشينو وغيرها؟ وهل أخذت السلطات المحلية علما بالعبث والفوضي الواقعة على مستوى استخلاص مداخيل هذه الفضاءات؟ هي صورة مصغرة لحجم العبث الذي يتخبط فيه مجلس معطوب بقيادة رئيس فاشل، وإشارة واضحة للوالي التازي لإصدار تعليماته لوقف هذا النزيف والعشوائية والارتجال في تدبير مرافق لطالما كان يرجى منه خدمة المصلحة العامة قبل أن يتحول إلى ضيعة تابعة للعمدة ومن يدور في فلكه ويستفيد من عطاياه سواء كانوا نوابا أو “طبالة” ممن تعودوا الضرب على الدف لهز خصور من يدفع بسخاء.
.. بتبع