بشائر رمضان تلوح في سماء ميلانو الإيطالية

بوشعيب أمين/ إيطاليا

تشتهر مدينة ميلانو الإيطالية بشارع اسمه بادوفا، لكن الإيطاليين يطلقون عليه اسم “شارع العرب”، وهو من أكثر الشوارع حيويةً وحركةً. يضم هذا الشارع مجموعة كبيرة ومتنوعة من المهاجرين واللاجئين من جنسيات عربية وإسلامية متعددة، فهو يشعرهم وكأنهم في دولة عربية أو إسلامية. فرغم أن غالبية سكان ميلانو، كما هو حال غالبية سكان إيطاليا، يتبعون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. لكن هناك حضور كبيرٌ أيضاً للمسلمين، إذ يعتبرون ثاني أكبر الطوائف الدينية في ميلانو، ويُقدر عددهم بحوالي مائة ألف مُسلم، لتكون ميلانو بذلك هي أكبر تجمّع للمسلمين في إيطاليا.

يحتوي شارع العرب -الذي يعتبر من أطول الشوارع في مدينة ميلانو- عددا من المحلات تحمل لافتات كبيرة مكتوبة باللغة العربية، وتتنوع بين محلات للحلاقة وأخرى خاصة بالجزارة المعروفة بالذبح الحلال، ومحلات للسوبر ماركت والصيدليات ومكاتب البريد، وأخرى لمن يرغب في إجراء استشارة قانونية متعلقة بالإقامات والجنسيات والضرائب وغيرها يديرها عرب أو مسلمون. وأما جنسيات الباعة فيه، فهي تتنوع ما بين الإيطاليين والمغاربة والعرب والأسيويين.

في نهاية الأسبوع الماضي، زرتُ مدينة ميلانو، وضمن تلك الزيارة قمت بجولة كي أتعرف من خلالها على المحلات التجارية التي يديرها مغاربة هناك، وأول ما لفت انتباهي وأنا أتجول وسط تلك المحلات، هو أجواء رمضان الكريم التي يزخر بها المكان هناك، حيث الحلويات والتمور والشاي بجميع أشكاله وأنواعه معروضة للبيع، إلى غير ذلك من البضائع التي يحتاجها المسلمون في هذا الشهر الفضيل.

رأيت محلّا للجزارة مكتوب عليه باللغة العربية ” الأمة الإسلامية”، فأخذني الفضول إليه كي أستطلع ما يوجد بداخله: هناك طبعا اللحوم المقطعة محفوظة بداخل ثلاجات شفافة، وهناك رفوف مخصصة للفطائر المتنوعة الاشكال، ورفوف خاصة بالتوابل التي يعبق المكان بروائحها المثيرة للشهية، لكن أجمل ما في المحل هو صاحباه، فما إن تطلّ حتى يلقيانك بابتسامة جميلة، نابعة من أعماق القلب، فضلا عن حسن المعاملة، وخفة الظل.
سألتهما عن نوع الزبناء الذين يرتادون المحل؟

فأجابا: هناك زبناء دائمون وآخرون يرتادون المحل أحيانا قليلة، وأغلبهم من الجالية المسلمة المقيمة هنا، وأما الزبناء الدائمون فهم أفراد الجاليتين المغربية والمصرية، ناهيك عن زبناء آخرين من أفراد الهيئات الدبلوماسية للدول الإسلامية، المتواجدة بميلانو.


فسألتهما عن الإيطاليين: هل يزورون المحل للتبضّع؟
فأجابا: بفضل الله تعالى أولا، ثم بفضل حسن الخُلق والمعاملة الحسنة للناس، التي أمرنا بها ديننا الحنيف، استطعنا أن نعرّف المواطن الإيطالي مزايا الذبح على الطريقة الإسلامية، الشيء الذي جعل كثيرا من الإيطاليين يقبلون على بضاعتنا، فأصبحوا من زبنائنا الدائمين، بعد أن اكتشفوا الفرق بين اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية، واللحوم الأخرى.

شكرتهما، وأكملت جولتي وأنا أقول في نفسي: لقد استطاع هذين الشابين بحسن الخلق والمعاملة الطيبة، أن يجذبا الإيطاليين للتعرف على الإسلام، والقبول به، فلو أن كل فرد من الجالية الإسلامية المقيمة هنا، تشبثوا بدينهم وتعاملوا مع الناس بتعاليمه السمحة، لرأينا الإيطاليين وغيرهم يدخلون في دين الله أفواجا، أفواجا.

لكني حمدت الله على ما رأيتُ وسمعتُ ما يثلج القلب، من تقبّل الإيطاليين للإسلام وشعائره بشكل تلقائي، وها نحن اليوم نسمع الأذان يرفع في مساجد ميلانو وغيرها من المدن الإيطالية، وتقام فيها الصلوات والشعائر الدينية إحياءً وابتهاجاً بقدوم شهر رمضان الكريم. حينئذ تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وهو من الأحاديث الواردة في فتح “رومية” الذي رواه الحاكم في المستدرك وغيره عن عبد الله بن عمرو يقول فيه: ” بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل مدينة هرقل أولا ـ يعني القسطنطينية.

ولقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح، بعد ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني ـ بإذن الله تعالى ـ على يد كل مسلم يتمثل أمر الله في قوله تعالى: ادعُ إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”
وقد أجمع علماء الأمة على أن “رومية” المذكورة في الحديث الشريف، يقصد بها مدينة “روما” التي هي اليوم عاصمة إيطاليا.

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة