في كلمة ألقاها نهاية الأسبوع الماضي، خلال المهرجان الختامي للأبواب المفتوحة التي نظمها حزبه بفاس، قال الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران بأنه لا يطمح في ترؤس الحكومة مجددا، إلا إذا أمره الملك محمد السادس وألزمه بذلك. وكعادته، كلما أُتيحت له الفرصة، ذكر أن “حزبه تعرض إلى مؤامرة، مشيرا إلى أن “حزب العدالة والتنمية لازال مطاردا من طرف تلك العفاريت والتماسيح”.
لا أدري لماذا يصرّ بنكيران على استفزاز المغاربة بخرجاته بين الفينة والأخرى؟ ولماذا يصرّ أيضا على إقحام الملك في صراعه السياسي مع باقي الأحزاب؟ وهل هو فعلا زاهد في منصب رئيس الحكومة كما يدّعي، أم أنه يبعث رسائل إلى السلطات العليا مفادها استعداده تنفيذ كل ما يطلب منه؟ ولماذا لا يريد أن يتوارى كما فعل من سبقوه؟ وهل لا تزال السلطات المخزنية في حاجة إلى خدماته ال…؟ وهل لا يزال في جعبته المزيد من الاجراءات الهجومية يريد تصويبها إلى صدر الشعب المغربي إرضاء لجهات معينة؟
ولا أدري أيضا إنْ كان هذا الكائن السياسي الذي أشرف على السبعين من عمره، يدرك حجم الخراب الذي خلفه هو، وحزبه خلال السنوات العشر التي حكموا فيها. أم أنه كان واعٍ بما يفعل عن سبق إصرار وترصد؟ هل يريد العودة لتخريب ما تبقى من الحماية الاجتماعية التي لم تعد كافية لستر عورة الشعب المغربي؟
إنّ المدة التي قضاها بنكيران على رأس الحكومة المغربية، كانت أسوأ فترة مرت على الشعب المغربي، ففي هذه المدة القصيرة جدا أتى بما لم يتجرأ عليه أي رئيس حكومة سابق، لقد قام بتخريب صندوق التقاعد متعمدا من خلال التستر على سارقي الصندوق وتحميل مسؤولية الجريمة الى الموظفين بالاقتصاص من تقاعدهم. وأجهز على الوظيفة العمومية من خلال سنّ التشغيل بالعقدة محددة المدة، وهو إجراء هدفه الأساس القضاء على الدور الاجتماعي للدولة وتكريس دورها القمعي، خلافا لما ادّعاه أن هذا الإجراء مرتبطٌ ب “مصالح وأهداف محلية كالحكامة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص”، بل هو خضوع لإملاءات المؤسسة الاستعمارية ” البنك الدولي” التي توصي بتخفيض نفقات القطاع العمومي. لكن تبقى الخطيئة الكبرى لبنكيران، هي قيامه بتحرير الأسعار المحروقات ومشتقاتها أولا في أفق إعدام صندوق المقاصة بشكل نهائي، مما ألهب الأسعار وضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة وشرائح واسعة من الطبقة الوسطى.
بنكيران لم يبدع الحلول لإخراج البلد من الأزمة التي يعاني منه، ولكنه لجأ إلى الحلول السهلة بارتمائه في أحضان المؤسسات المالية الامبريالية، وإغراق البلاد بالمديونية الخارجية والتي ستؤديها على الخصوص أجيال الطبقات الشعبية المحدودة الدخل على مدى عقود طويلة.
بنكيران لم ينفذ وعوده التي وعد بها الشعب المغربي، من قبيل محاربة الفساد والاستبداد، فبمجرد ما اعتلى منصب رئيس الحكومة قلب ظهر المجن، للذين بوّأوا حزبه المرتبة الأولى، وركب المركب السهل والذي تتمثل في مبدأ مهادنة الفساد والمفسدين، حيث صرح بأنه لا ينوي “مطاردة الساحرات” ولا متابعة الفاسدين والمفسدين في جحورهم وأوكارهم، وإنما أتى إلى السلطة بنية إصلاح الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتردية للبلاد، وإخراجها من نفق الأزمة المستدامة التي تنهش مفاصلها ومرافقها منذ زمن طويل. فلا هو حارب الفساد، ولا هو أصلح الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتردية للبلاد، لأن حصيلة حكومته الحقيقية في هذا المجال كانت هي تعميق الأزمة الاقتصادية والسياسية ونشر المزيد من التفكك خصوصا عندما قال قولته المشهورة ” عفا الله عما سلف” وترك ناهبي المال العام يتنعّمون بما نهبوا. وهنا يمكننا أن نختصر بأن حكومة بنكيران -كما قال أحد المغاربة- “نزلت كنار جهنم على المغاربة وليس بردا وسلاما”
ثم بعد كل هذا، وبعد إعفائه من رئاسة الحكومة، وبالتالي أمانة الحزب، يأتي أعضاء المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية ليُعيدوه، إلى القيادة ظنا منهم أنه سيعيد للحزب مجده، بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021، على اعتبار أنه هو مهندس انتصارات الحزب الانتخابية في ولايتين متتاليتين. بيد أن تلك الانتصارات تعود بالأساس إلى الذين صوّتوا لحزب “العدالة والتنمية”، وهم يأملون فيه خيراً لكي يحدث تغييراً في المشهد السياسي في المغرب، بعد أن جربوا جميع الأحزاب بكل أطيافها اليمينية واليسارية.
إن هؤلاء الذين أعادوا بنكيران إلى الواجهة بعد أن ارتاح المغاربة من خرجاته المستفزة، هم شركاء له في كل ما سبق، وشركاء له فيما سيلحق من كوارث على يديه لا سمح الله.
فلاش: قبل يومين فقط كشف عبد الإله ابن كيران في خرجة أخرى، أنه بدأ يشعر بأن حزبه بدأ يسترجع عافيته وشعبيته من جديد رغم هزيمته في انتخابات 2021، معلنا أن روحا جديدة بدأت تدب في شرايين “البيجيدي”، وبدأ يشهد إقبالا كبيرا عليه من طرف مختلف فئات المجتمع. مؤشر هذا التحول حسب رأيه هو أنه “منذ تحمل المسؤولية الثقيلة في المؤتمر الاستثنائي الذي كلف فيه بقيادة الحزب، ألهمه الله أن يركز كلامه خلال هذه الفترة على المرجعية الإسلامية للحزب، وهو الأمر الذي تقبلتموه مني بمقاربات تكاد تكون مختلفة”. الشيء الذي اعتبره “لحظة فارقة” في حياة الحزب، قائلا بأن: “هناك تحولا وتحسنا وتجاوبا في المغرب كله، وعموم مواطنينا الذين كانوا معنا على الأقل سنة 2015، يقولون توكلوا على الله… فإذا كنتم على الطريق فنحن معكم”.
أقول لهذا المُلهم: ألم يلهمك الله أن تردّ الأموال التي أخذتها ولا تزال، دون وجه حق، سبعون ألف درهم تُقتطع لك كل شهرمن أموال اليتامى والأرامل؟
هيهات هيهات أن يسترجع حزبك بكارته بعد أن قدمتها بكل طواعية لمن مرّغوا شرفه فوق التراب، لقد أضعتم خارطة الطريق بخذلانكم الشعب المغربي الذي وضع ثقته فيكم، وبعد أن خذلتم القضية الفلسطينية بوضع يدكم في اليد الملطخة بدماء إخوانكم في فلسطين.
ثمّ إذا كان حزبك كما تدّعي قد استرجع عافيته وشعبيته، وبدأ يشهد إقبالا كبيرا عليه من طرف مختلف فئات المجتمع، فلماذا تتمسّح بالأعتاب الشريفة، وتريد من الملك أن يأمرك بترؤس الحكومة مجددا، أوَ لا تعلم أن الفصل السابع والأربعين من دستور المملكة ينص على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، فكيف تريد من الملك أن يتدخّل ويأمرك أن تعود إلى رئاسة الحكومة وحزبك قد أصبح مغضوبا عليه من قبل الشعب المغربي؟ فهل تريد من الملك تزوير الانتخابات لصالح حزبك؟ أوَ لا تعلم أن الملك هو الساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي؟
وبكلمة، أظنّ أن حزب العدالة والتنمية لن يسترجع عافيته وشعبيته إلا برحيلك عنه، ورحيل كل الذين ساعدوك على تدمير الحزب وسلخه عن هُويته، لأن الشعب المغربي لن ينسى من خانه ولن ينسى من خان القضية الفلسطينية. انتهى الكلام