الصحافي أمين بوشعيب / إيطاليا
في أول جلسة له بمجلس النواب والمستشارين، بعد تنصيبه رئيسا للحكومة المغربية، كشف هذا الأخير كشف عزيز أخنوش، عزيز أخنوش، عن الالتزامات العشر الكبرى للحكومة خلال الفترة 2021- 2026، المدرجة في البرنامج الحكومي، ويتعلق الأمر بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة، ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% حاليا، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وحماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي. وأيضا تعبئة المنظومة التربوية بكل مكوناتها بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا (عوض المراتب المتأخرة في جل المؤشرات الدولية ذات الصلة)، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة من خلال إحداث صندوق خاص، بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025، والرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4% خلال الخمس سنوات المقبلة، وإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة على أساس مواكبة 200 ألف أسرة سنويا، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى أقل من 39% عوض 46,4% حسب مؤشر جيني، ثم أخيرا تعميم التعليم الأولي لفائدة كل الأطفال ابتداء من سن الرابعة مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة. وأضاف أن هذا البرنامج تم وضعه وفق مقاربة تشاركية للإجابة على انتظارات اجتماعية ملحة ولتجاوز آثار الجائحة وتحقيق إقلاع اقتصادي، يعزز مكانة المغرب قاريا ودوليا.
لكن ماذا حدث بعد مرور ثلاث سنوات من عمر حكومة أخنوش؟ وهل حقق رئيسها الوعود التي تعهد بها؟
يبدو أنه لا شيء من كل تلك الالتزامات قد تحقق منه شيء.
من خلال آخر زيارة لي للمغرب، ومن خلال اتصالاتي ببعض الأصدقاء المهتمين بالشأن العام، ومن خلال اطلاعي على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وقفت على الصورة المؤلمة التي أصبحت عليها البلاد والعباد.
هكذا تبدو الصورة متشظية:
ففي عهد هذه الحكومة لا يزال المغاربة يموتون بسمّ العقارب والإهمال الطبّي، ولا يزال النساء يضعن حملهن بواسطة ربط حبل في سقف البيت، وأما من يجدن وسيلة نقل فيضعن حملهنّ أمام المستوصفات بسبب عدم وجود طبيب. وأخريات وآخرون يموتون في الطرقات أثناء نقلهم إلى المدن الكبرى من أجل العلاج.
ولا يزال آلاف المغاربة مهددين بالعطش بسبب نضوب مياه الآبار وتراجع حقينة السدود، منذ أن بدأ تنفيذ المخطط الأخضر الذي قام على تشجيع زراعات مستنزفة للمياه، مثل الأفوكادو والبطيخ وغيرهما، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه.
ولا يزال آلاف المتسولين يجوبون الفضاءات العمومية وغير العمومية بسبب الفقر والبطالة وعدم القدرة على العمل، وقصور منظومة الحماية الاجتماعية والسياسات الاجتماعية العمومية.
ولا يزال الشباب المغربي يترنح بين واقع مرير ومحاولة الهجرة السرية، وآخرون قاصرون يركبون قوارب الموت في سبيل “الهروب الجماعي” من المغرب نحو غد أفضل بأوروبا.
ولا تزال أرض المغرب المزبلة المفضلة لأوروبا لتطرح فيها ملايين النفايات السامة.
ولا يزال البرلمان ملاذا للصوص وناهبي المال العام، ومرتعا للملاسنات بين المعارضة والحكومة وأغلبيتها.
ولا تزال الأحزاب خارجة عن التغطية لا تقوم بدورها في تأطير المواطنين رغم أنها تتوصل كل سنة بمبالغ ضخمة تقتطع من أموال دافعي الضرائب.
ولا يزال وزراء في حكومة أخنوش لا يحضرون إلى الجلسات العامة، للإجابة على أسئلة النواب.
ولا يزال أخنوش يرفع عصاه ليوفي بوعده الذي قطعه على نفسه بإعادة تربية المغاربة.
ولا يزال بنكيران يستفز الشعب المغربي بخرجاته المليئة بالوقاحة و”تخراج العينين”
ولا تزال الرشوة تتصدر قائمة أشكال الفساد الأكثر انتشاراً بالمغرب.
ولا يزال توقيف العلماء والأئمة بسبب تعاطفهم مع فلسطين ساري المفعول إلى أن يشاء الله رب العالمين.
ولا يزال غلاء الأسعار يسير في منحى تصاعدي مخيف وكأنه “قنبلة موقوتة” تهدّد أمن واستقرار البلاد.
ولا يزال مغاربة العالم يرفعون أصواتهم عاليا للمطالبة بتمكينهم من تمثيلية سياسية داخل مجلس النواب، ومجلس المستشارين، وبتمتيعهم بحقوق المواطنة الكاملة، منذ أن أعلن الملك محمد السادس عن ذلك في خطاب له بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء سنة 2005.
ولا تزال وعود الحكومة بإصلاح المقاولات العمومية، وتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار تراوح مكانها.
ولا تزال المحروقات في ارتفاع مضطرد أحال حياة المغاربة إلى جحيم، منذ أن قام سيء الذكر بتحرير أسعارها.
ولا يزال المغاربة ممنوعين من حق الولوج إلى القضاء دون أية قيود، وكأن هذه الحكومة لا تعترف لا بالدستور ولا بالقانون ولا بالتزامات المغرب الدولية.
ولا يزال هناك من يسعى إلى تدمير المجتمع المغربي وتفجيره من الداخل، بالطعن في قيم ومعتقدات المغاربة، ومحاولة تفكيك الأسرة، وتشجيع الإلحاد، والشذوذ الجنسي، بدعوى الحق في ممارسة الحريات الفردية، من أجل إثارة الفتنة والنعرات الدينية والسياسية بين المغاربة وتحريضهم على الفوضى التي لا تبقي ولا تذر.
وعلى العموم فلا يزال المغرب يضيف إلى رصيده في كل عام سنة عجفاء إلى أخرى سابقة.
في مقال سابق على هذا المنبر العتيد، كنت أشرت إلى أن من أسباب تدهور المغرب وعدم تقدمه إلى الأمام، استمرار تبعيته للمصالح الفرنسية، واستمرار الهيمنة الفرنسية على الاقتصاد المغربي من خلال تمكين أبناء المتعاونين مع فرنسا والنخب الفرنكوفونية المتخرجة من المدارس الفرنسية لمراكز القرار في الدولة، وهو ما قد يشكل طابورا خامسا يعمل لجهات خارجية أو داخل الدولة. وقلت بأن المغرب في حاجة إلى رجال أحرار متشبثين بالوطنية وحب الوطن، يكونون على أعلى مستوى من التخطيط والتدبير السياسي، والاقتصادي، والاستراتيجي، والأمني، والعسكري، ليحفظوا لهذا الوطن كرامته وثرواته المادية والمعنوية.
فلاش: تزامنت الزيارة التي أشرت إليها في هذا المقال مع ذكريين عزيزتين على المغاربة، وهما ثورة الملك والشعب وعيد الشباب اللتين يحتفل بهما الشعب المغربي على التوالي يومي 20 و21 يوليو/ تموز من كل سنة. وأنا أتمعن في صورة المغرب المتشظية أمامي، لاحت أمامي صورة أخرى مجيدة ناصعة، ألا وهي خروج المغاربة سنة 1955 في ثورة عارمة لوضع حد لطغيان الاستعمار الفرنسي، الذي عطل سيادة المغرب، وعبث بمقدساته، وداس على كرامة المغاربة، وسامهم الهوان في عقر ديارهم. فقلت في نفسي: ألا يرى المغاربة أن سيادتهم قد تعطلت على يد هذه الحكومة، التي تعبث بمقدساته على يد وزير العدل ووزير الأوقاف وغيرهما؟ ألا يرون أن كرامتهم تُهدر وتُداس تحت أرجل أخنوش وحكومته ومن والاهم؟ ألا يشعرون بالهوان والقهر بسبب السياسة الحكومية الطبقية؟ ثمّ قلت وقد سمعني من كان بجانبي: إن المغرب في حاجة إلى تجديد ثورة الملك والشعب، ليعيد أمجاده، ويقضي على كل المتآمرين على مصالح الوطن، ويجتث جذور الفساد من أصولها.