تهمة اختلاس المال العام تلاحق الأحزاب والنقابات المغربية



أين تذهب أموال الشعب المغربي؟ أو بالأحرى أين تذهب أموال التمويل العمومي التي تقدمها الدولة للأحزاب والنقابات؟
هذا السؤال يجيب عليه التقرير الخاص الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات بخصوص فحص حسابات الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وللمترشحين برسم الانتخابات التي أُجريت سنة 2021.
يوم الخميس 8 يونيو/ حزيران 2023، أصدر المجلس المذكور ثلاثة تقارير، تتعلق بفحص حسابات الحملات الانتخابية للهيئات السياسية والنقابية وللمترشحين برسم اقتراعات سنة 2021، أوضح فيها أن مساهمة الدولة في تمويل تلك الحملات الانتخابية قد همت 28 حزبا سياسيا من أصل 31 شارك في الاقتراعات المذكورة (348.28 مليون درهم) و11 منظمة نقابية شاركت في اقتراع انتخاب أعضاء مجلس المستشارين (8 مليون درهم). وأشار إلى أن هذه المبالغ تتوزع ما بين اقتراعات انتخاب أعضاء مجلس النواب (2.17 مليون درهم) ومجلس المستشارين (4.51 مليون درهم) ومجالس الجماعات والجهات (21.70 مليون درهم).
وفيما يتعلق بنتائج فحص النفقات المصرح بصرفها، سجل المجلس نقائص في شأن تبرير نفقات قدرها 24.86 مليون درهم، أي ما يمثل 7 في المائة من مجموع النفقات المصرح بصرفها. وقد همت هذه النقائص 22 حزبا من أصل 28 (20.70 مليون درهم) و3 منظمات نقابية من أصل 11 (4.16 مليون درهم)، إذ تتوزع بين نفقات لا تخص الحملات الانتخابية (6.51 مليون درهم) ونفقات لم يتم دعم صرفها بوثائق الإثبات المطلوبة (18.35 مليون درهم). وأحزاب منحت الدعم لمترشحين وأشخاص لا توجد أسماؤهم ضمن قوائم مترشحي هذه الأحزاب المعنية أو لم يترشحوا بمناسبة انتخاب أعضاء مجلس النواب.
حسنا فعل معدّو التقرير عندما وسموا تلك الأفعال المنافية لأخلاقيات صرف التمويل بالنقائص، وهي فعلا نقيصة وخصلة دنيئة مذمومة، في حق الأحزاب والنقابات التي تصرفت في أموال الشعب وكأنها أموال سائبة، (والمال السايب كيعلم السرقة كما يقول المثل المغربي) حيث تم صرف تلك الأموال في نفقات لا تندرج ضمن قائمة المصاريف المنصوص عليها قانوني، وكمثال على ذلك:
أحد مناضلي ووكيل لائحة حزب الاتحاد الدستوري أنفق 60 ألف درهم، من أصل 200 ألف درهم حصل عليها من الدعم العمومي الذي أخذه حزبه، على تعويض لنقل مقر نشاط صيدلية من أجل استغلاله كمقر للحزب خلال الحملة الانتخابية.
مناضل آخر ينتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اقتنى معدات معلوماتية بمبلغ الدعم رغم منع القانون فعله ذلك. وآخر ينتمي لنفس الحزب تلقى 20 مليونا لتمويل حملته الانتخابية، لكنه اختفى عن الأنظار.
هذه عينة من المناضلين ” الشرفاء” الذين يتم تقديمهم باسم الأحزاب “الوطنية” لخدمة الوطن والمواطنين. وعوضا عن ذلك قاموا بسرقة الوطن دون خوف أو وجل. لكن الغريب في الأمر أن المجلس الأعلى للحسابات، وبعد كل المجهودات الجبارة التي قام بها، في فحص حسابات الحملات الانتخابية، نراه في آخر التقرير يصدر توصية خجولة يحث من خلالها وزارة الداخلية بمواصلة المجهودات المبذولة لحمل الأحزاب السياسية على إرجاع مبالغ الدعم المذكورة، ومواكبتها من خلال الاستمرار في تنظيم دورات تكوينية دورية هادفة لفائدة أطرها المكلفة بالتسيير المالي والإداري، والمحاسبي بغرض تيسير وتعزيز فعالية التزامها بالقواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بإثبات صرف المبالغ التي تسلمتها برسم مساهمة الدولة في تمويل حملاتها الانتخابية، والإدلاء بالحسابات المتعلقة بها. هكذا وانتهى الأمر، ولينعم كل ناهب بما نهب !
فلاش: يتساءل كثير من الناس عن الأسباب التي تعيق التنمية في المغرب؟
جوابا على هذا السؤال يقول حزب فيدرالية اليسار إن نهج سياسة الإفلات من العقاب في جرائم الفساد، ونهب وتبديد المال العام، والتضييق على الحريات وضرب الحقوق، إضافة إلى تجلي العلاقات الوثيقة بين المال والسلطة على حساب مصالح المجتمع الأساسية بصفة واضحة، من خلال تغول الرأسمال الريعي الاحتكاري الذي أصبح عائقا للتنمية.
لكن السؤال هو من يقوم بكل هذه الأفعال التي تعيق التنمية؟ أليست الأحزاب السياسية هي السبب الرئيس في ذلك؟
بلى إنها هي التي تتيح للسياسيين المخادعين الفرصة، ليتخذوا من الحزب مقاولة انتخابية، ومصدرا للثروة والاغتناء السريع، وقضاء لمصالحهم الشخصية ومصالح أبنائهم. لقد آن الأوان أن نصرخ بكل قوتنا لنقول كفى عبثا بمقدرات وثروات هذا الشعب!
الأحزاب والمنظمات النقابية في المغرب فقدت مصداقيتها وتأثيرها، ولم تعد تمثل سوى نفسها، وأصبحت شعبيتها في الحضيض، بل إنها هي التي أسهمت في إشعال الغضب الشعبي الواسع الذي يعرفه المغرب في السنوات القليلة الماضية بسبب سياساتها اللاشعبية، التي لا تلبي سوى مصالح النخب المتحكمة فيها. لذلك على الدولة إعادة النظر في تمويلها، وعلى السلطة القضائية التدخل الفوري لوقف نزيف هدر المال العام وتحريك المتابعات القضائية ضد المتورطين في الاستحواذ على المال العام بطرق منافية للقانون والقواعد الأخلاقية.
أمين بوشعيب / إيطاليا

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة