حقوق الإنسان في المغرب والابتزاز الأمريكي المفضوح

 

أمين بوشعيب / إيطاليا

حقوق الإنسان في المغرب والابتزاز الأمريكي المفضوح
دأبت وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنوات، إصدار تقارير توثق ممارسات حقوق الإنسان، وحالة حقوق الإنسان، وحقوق العمال فيما يقرب من مائتي دولة وإقليم، وذلك بموجب القانون الأمريكي الذي يعتبر تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والدفاع عنها، ودعم من يناضلون من أجل الكرامة الإنسانية والحرية في مختلف أنحاء العالم، أمرا محوريا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، عن المغرب بشأن حقوق الإنسان لعام 2022، رسم صورة سوداء حول ممارسات السلطات المغربية، حيث وجهت إليها الخارجية الأمريكية، سهام النقد بسبب ما وصفته بـ” القيود التي تفرضها السلطات المغربية على حق التظاهر السلمي”، وسجل التقرير أن هناك عددا من المنظمات غير الحكومية “اشتكت من أن الحكومة استخدمت التأخيرات الإدارية وأساليب أخرى لقمع أو تثبيط التجمع السلمي غير المرغوب فيه”. وأضاف أن قوات الأمن المغربية تدخلت في مناسبات متعددة لتفكيك الاحتجاجات المصرح بها، وغير المصرح بها عندما اعتبر المسؤولون أن المظاهرة تشكل تهديدًا للأمن العام. مشيرا إلى أن حالة الطوارئ الصحية “ظلت سارية، مما سمح للسلطات بالحد من التجمع وتكوين الجمعيات”.
وفي المقابل يلاحظ التقرير أنه “بينما استمرت معظم الاحتجاجات بشكل سلمي، فإن عدة وسائل إعلام محلية أفادت أن الاحتجاجات تحولت إلى اشتباكات مع الشرطة الذين تم إرسالهم لتفريق المتظاهرين كما هو الحال خلال تظاهر مئات الأساتذة في الرباط ضد نظام التعاقد.
من جهة أخرى، انتقد التقرير تقييد الحكومة لحرية تأسيس الجمعيات في بعض الأحيان. قائلا “حظرت الحكومة أو أخفقت في الاعتراف ببعض جماعات المعارضة السياسية من خلال اعتبارها غير مؤهلة لوضع منظمة غير حكومية”. ويلاحظ التقرير أن الحكومة “رفضت الاعتراف الرسمي بالمنظمات غير الحكومية التي اعتبرتها تدافع عن الإسلام كدين للدولة أو وحدة أراضي البلاد”. كما “عرقلت السلطات تسجيل بعض الجمعيات التي يُعتقد أنها تنتقد السلطات برفضها قبول طلبات التسجيل الخاصة بها أو تسليم إيصالات تؤكد إيداع الطلبات”.
وهنا لا بدّ من التذكير أنه في الوقت الذي وصل فيه وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن، وعقد لقاءات مع نظيره أنتوني بلنكين، قامت الخارجية الأمريكية بنشر تقريرها هذا الذي وصفه الملاحظون ب”الأسود” وهنا لا بد أن نتساءل: لماذا صمتت الحكومة المغربية، ولم ترد على هذا التقرير؟
لا أريد أن أناقش صحة هذه المعلومات من عدمها، أو صدقية المصادر التي اعتمدتها الخارجية الأمريكية من عدمها، ولكن أريد أن أتساءل: من الذي نصّب الخارجية الأمريكية أن تكون راعية ومدافعة عن حقوق الإنسان في العالم؟
فإن كان بموجب القانون الأمريكي فهو يخصها ولا يخصّ باقي الدول. فلكل دولة قانونها. وأمريكا هي آخر من يجب أن تتكلم عن حقوق الإنسان، فتاريخها الأسود شاهد على فظاعاتها وجرائمها ضد الإنسانية، فعلى الرغم من أنه لم يمر من عمرها سوى أقل من ثلاثة قرون فقط، إلا أنها قضت عمرها كله تقريبا في الحروب المختلفة على الدول الأخرى، واحتلالها، مما يدل علي أنها أسوأ حضارة قامت عبر التاريخ. وعليه، فلا يمكن تصنيف تقارير الخارجية الأمريكية، إلا في خانة التقارير الابتزازية.
يسجل التاريخ الحديث، أن الولايات المتحدة الامريكية اتخذت من أحداث 11 شتنبر 2001 ذريعة للتدخل في حياة الدول الأخرى بدعوى تعليمهم مبادئ وقواعد الحرية والديمقراطية، فكانت الحرب على أفغانستان ثم العراق مسرحين شاهدين على السياسة الأمريكية الجديدة لما بعد أحداث 11 شتنبر. ومن ثم نصّبت أمريكا نفسها دركيا على العالم، من خلال الوثيقة التي أصدرها البيت الأبيض في 20 سبتمبر 2002 بعنوان (الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي) وأعلنت فيها أنها هي وحدها المسؤولة عن أمن العالم وحريته.
وها هي أمريكا اليوم تدبج التقارير لكل مخالف لسياستها، وتصبغها باللون الأسود، من أجل ابتزازه والضغط عليه للانخراط في صفوفها وخدمة أجندتها خاصة في دعم الكيان الصهيوني، ومده بأسباب الحياة من خلال الاعتراف به، لكن بكل يقين، ففي الحالة المغربية لا يمكن – تحت أية ذريعة – أن يقبل الشعب المغربي الرضوخ للضغوط الأمريكية، ولا يمكن التفريط في حق الفلسطينيين لحقوقهم كاملة غير منقوصة.
فمنذ النكبة الأولى التي تعرض لها الفلسطينيون لم يدّخر المغاربة جهدا لنصرة قضية إخوانهم، واعتبروها قضية وطنية مقدسة، لذلك بذلوا من أجلها الأرواح ودافعوا عنها بكل ما يملكون، وقلوبهم مفعمة بمشاعر الحب والوفاء اتجاهها، وهذا كان ديدنهم على مَرّ الزمان. فكيف تريدون من الشعب المغربي أن يشطب بجرة قلم على ماضيه المجيد في دعم القضية الفلسطينية، كما فعل بعض الحكام العرب، الذين انخرطوا في مشاريع الاستكانة والإذلال ونقضوا عروة الرابطة العربية والإسلامية، وارتموا في أحضان الصهاينة والأمريكان المبتزين، وسلموا لهم ثروات شعوبهم عن يد وهم صاغرون، يبتغون عندهم العزة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن أكثرهم لا يعلمون.
الشعب المغربي يرفض كذلك التدخل في شؤونه الداخلية، خاصة من دولة ترعى الإرهاب، وترعى الكيان الصهيوني الذي زرعه الغرب في جسد الأمة العربية، من دولة قامت على أنقاض وجثت الهنود الحمر: يحكى المؤرخون الأوربيون المنصفون قصصاً يشيب لهولها الولدان. فقد كان الغزاة البيض يشعلون النار في أكواخ الهنود، ويقيمون الكمائن حولها، فإذا خرج الهنود من أكواخهم هاربين من الحريق، يكون رصاص البيض في انتظار الرجال منهم، بينما يتم القبض على الأطفال والنساء أحياء لاتخاذهم عبيداً واغتصابهم جنسياً أيضاً ! أما عن السود فحدث ولا حرج، إذ كان مستحيلاً أن تتم إدانة رجل أبيض بسبب قتل مواطن أسود، كما

كان يحكم على الأسود بالإعدام شنقاً، بسبب سرقة بطيخة، على سبيل المثال، ولم يكن التحيز الرسمي ضد السود هو كل الحكاية، فقد كان هناك اضطهاد على المستوى الاجتماعي أيضا من قبل المنظمات العنصرية بتشجيع من قبل الدولة.
ولا تزال سياسة اضطهاد السود قائمة إلى يومنا هذا، فقد رأى العالم كله مقتل جورج فلويد في أيار/مايو 2020، الأمريكي الأسود الذي قضى اختناقًا تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس. وأثار فيديو مقتل فلويد موجة من الاحتجاجات العنيفة في أنحاء البلاد وخارجها، وأعاد إطلاق الجدل بشأن العنصرية وسلوك الشرطة الوحشي في الولايات المتحدة .وبعد عامين من مقتل فلويد فقط، بلغ عدد الذين قتلوا في احتكاك مع الشرطة مستوى قياسيًا هو الأعلى منذ عشر سنوات وصل إلى 1186 قتيلًا خلال العام 2022، وفق ما أورد موقع “مابينغ بوليس فايلنس” فأين هذا مما يحدث في المغرب مثلا، الذي لم تصل أوضاع حقوق الإنسان فيه إلى مستوى القتل؟
في الختام لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بانتهاج سياسة خارجية تحمل “القيم الديمقراطية” الأمريكية، عن طريق وضع حقوق الأقليات الجنسية في العالم بين أولوياته، واليوم أمريكا التي نصّبت نفسها مدافعا عن الشذوذ وعن الحقوق المدنية للمثليين، وعن حقهم في تبنيهم للأطفال قانونياً، تريد أن تفرض قيمها المنافية للفطرة الإنسانية على كل الدول التي تخالفها في ذلك، والشعب المغربي لم ولن يقبل بذلك مهما كان الثمن، ولا يخاف في ذلك لومة لائم.
فلاش: المغرب ليس جنة لحقوق الإنسان، نعم هناك تجاوزات من قبل السلطات المغربية، لكن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، ويتم مراقبتها من جانب المؤسسات والمنظمات المغربية الوطنية، الحكومية والمستقلة، التي تقوم بمراقبة ومتابعة أداء السلطة التنفيذية في كافة مناحي عملها، ويبقى أبلغ ردّ على تقرير الخارجية الأمريكية، هو القطع مع هذه التجاوزات بشكل نهائي كي لا نترك للخارجية الأمريكية أو غيرها ذريعة التدخل في شؤونه الداخلية. نتمنى ذلك بكل صدق.

 

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة