بقلم: الصحافي أمين بوشعيب- إيطاليا
في خضمّ ما تعيشه الساحة التعليمية من احتقان، بسبب الاحتجاجات المستمرة للأساتذة وإضراباتهم المتوالية، رفضا للنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، خرج عبد اللطيف وهبي، وزير العدل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المشارك في التحالف الحكومي، بتصريح استفزازي استعلائي مليء بالوعد والوعيد، موجّه إلى النقابات التعليمية، وبالضمن إلى نساء ورجال التعليم، مشيرا إلى أنه وأعضاء حكومته يديرون قضايا الدولة ولا يتنازلون ولا يتراجعون، ولا يمكن لأيّ كان أن يلوي ذراع الدولة”، على حد تعبيره.
تصريح وزير العدل الذي يفتقد إلى اللباقة لم يزد الأوضاع إلا احتقانا، إذ قرر أساتذة التعليم تصعيد إضراباتهم بعد ما سموه “مواصلة الحكومة لسياستها الترهيبية وفرض الأمر الواقع عوض إيجاد حلول للوضع المتأزم.
يحضرني الآن، وأنا أتناول هذه الأزمة التي تُعتبر أول محكّ حقيقي لحكومة أخنوش، حديث الرويبضة” الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة”، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”
والتافه، كما جاء في كتب اللغة، هو الرجل الذي لا شأن له ولا معرفة له ولا علم له، ويتحدّث في أمر العامة وهو في غيبة عن علم أو تجربة يفيد بهما، وبالتالي فهو في غيبة عن الحكمة التي تنتج عن العلم والتجربة. وهذا ما ينطبق تماما على عبد اللطيف وهبي وزير العدل المغربي. فلو نظرنا إلى مسار هذا الرجل الدراسي والمهني والسياسي لوجدناه بعيدا كل البعد عن ميدان التربية والتعليم، فلا هو حاصل على دكتوراه في علوم التربية، ولا هو خبير دولي أو حتى وطني في قضايا التعليم والبحث العلمي، والشيء نفسه ينطبق على بنموسى الوزير الحالي المكلف بوزارة التربية الوطنية.
والحقيقة أنْ لا أحد يستطيع اليوم أن يفسر للمغاربة ما يجري، فعلى مستوى قطاع التعليم هناك فشل واضح، يُضاف إليه عدم تحمّل الحكومة المسؤولية تجاه ما يجري من الاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة التعليمية منذ ستة أسابيع في عدد من مدن المملكة، وما يستتبع ذلك من ضياع وهدر مدرسي وبلغة الأرقام التي تمّ رصدها، فإن احتساب الإضرابات التي بوشرت من قبل رجال ونساء التعليم، قد أهدر ما لا يقلّ عن سبعة ملايين و700 ألف ساعة عمل تدريس من الزمن التعليمي كان من المفروض أن يستفيد منها تلميذات وتلاميذ المدارس العمومية المغربية في أكثر من 12 ألف مؤسسة بالمغرب.
فإذا أضفنا إلى ما تعرفه الساحة التعليمية من احتجاجات، الغضبَ الشعبيّ من الموقف السلبي لحكومة أخنوش تجاه ما يجري في فلسطين من مجازر ترتكبها الآلة الصهيونية في حق أهل غزة، وكذا الغضب الشعبي من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها حكومة أخنوش التي تسيّر الشأن العام بمنطق الباطرونا، فلا يمكننا إلا أن نشبّه الوضع في المغرب ببرميل بارود قد ينفجر في أية لحظة لا قدر الله. لذلك بات لزاما تدخّل مَن يهمّهم الأمر لإسكات وزير العدل، فخرجاته لم تزد الأمور إلا تعقيدا وتصعيدا، وإبعاد وزير التربية الوطنية الذي يحمل الجنسية الفرنسية، لأنه فشل فشلا ذريعا في تسيير وزارته، حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
وقد كنت أتساءل في مقالات عديدة، وأطرح سؤالا لا أجد له صدى لدى من بيدهم زمام الأمور، والسؤال الذي لا أنفكّ من طرحه هو: من يدفع بالمغرب نحو الهاوية؟
إن ما تقوم حكومة أخنوش منذ تنصيبها لا يبشّر بخير، فأمام التراجع في المجال الاجتماعي وأمام ارتفاع نسبة الهشاشة والفقر، فمن الطبيعي أن تكون لها تداعيات تؤثر سلبا على المجتمع، وذلك بانتشار بعض الظواهر غير الصحية، منها انتشار الجريمة وارتفاع نسبة الأمية، والهدر المدرسي والهجرة الجماعية للكفاءات والشباب، وانتشار الدعارة والرذيلة في صفوف النساء والرجال والأطفال. وبالمقابل ليس هناك ما يفيد أن هذه الحكومة قد أبدت اهتمامات فعلية بما يجري، أو أعلنت عن وضع خطط عاجلة بهدف مواجهة التحديات والصعوبات التي تعرفها أوضاع العباد والبلاد. فليس هناك سوى خرجات غير محسوبة من هذا الوزير أو تلك الوزيرة، أو إصدار بعض البلاغات التصريحات المناسباتية للتعبير عن قلق الحكومة البالغ بهذا الشأن. ولذلك لا بد من الاعتراف أن هذه الحكومة أصبحت تشكل خطرا على استقرار المغرب، وبات لزاما رحيلها من المشهد السياسي في أقرب وقت.
فلاش: عندما تفجّرت الفضيحة باتهام دبلوماسيين إسرائيليين بتورطهم في التحرش الجنسي بمغربيات داخل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، ابتلع عبد اللطيف أخنوش لسانه ولم ينطق بكلمة، رغم أنه معنيّ بصفته وزيرا للعدل.
وعندما توجه المتحدث باسم الخارجية الصهيونية إلى الشعب المغربي بكلام كله رعونة وصلافة، يأمرهم بالقول: “لا بد للمغرب والشعب المغربي أن يدين هذه الحركة الإرهابية (يقصد حماس) التي تتكلم باسم الإسلام وليس لها دين ولا ديان” انعقد لسانه كذلك ولم ينطق ببنت شفة. وقبل هذا وبعده لم نسمع له صوتا إزاء ما يجري من إبادة جماعية في حق إخواننا في فلسطين.
هذه هي المواطن التي يجب أن يتحدث فيها، فهنا الموقف الرجولي، والذود على هيبة الدولة، أما التعالى والتطاول على نساء ورجال التعليم، وهم شرف الأمة، فليس إلا وقاحة وجبن سياسي تصدر من هذا الشخص وأمثاله.