زيارة بيدرو سانشيز ووضوح الموقف الإسباني

دكتور عادل بنحمزة

 عرفت الرباط أخيراً دينامية دبلوماسية لافتة، تمثلت في زيارتي كل من رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه للرباط. العلاقات بين المغرب من جهة وكل من إسبانيا وفرنسا من جهة أخرى، تعتبر علاقات تقليدية يرتبط فيها الحاضر بثقل التاريخ ولها مظاهر مختلفة، سياسية واقتصادية وثقافية وإنسانية، وغالباً ما كان هناك تنافس بين باريس ومدريد لتحقيق مكاسب أكثر، وإن كانت إسبانيا قد أزاحت فرنسا من موقع الشريك الأول مع المغرب منذ سنوات.  

تظهر أهمية العلاقات المغربية الإسبانية، من خلال تعدد مجالات التعاون، يقع هذا الأمر تحت وقع ثقل التاريخ المشترك والجغرافيا التي جعلت كلاً ًمن البلدين يمثل قدراً بالنسبة إلى الآخر، وبالتالي يمكن القول إن الفاعلين السياسيين أينما كانت مواقعهم، ليست أمامهم خيارات كثيرة، إذ يبقى التعاون على قاعدة الوضوح، مع الأخذ في الاعتبار مصالح كل طرف، هو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه علاقات ثنائية ناجحة في ظل تحديات المستجدات الجيوستراتيجية التي يعرفها العالم، هذا الأمر كشفت أهميته السنوات الأخيرة، بخاصة عندما دخل البلدان في شبه قطيعة على خلفية الموقف من الصحراء المغربية، بلغت درجت سحب السفيرة المغربية من مدريد وغلق المعابر التجارية، إضافة إلى وقف التعاون في القضايا المتصلة بالهجرة.

طبعاً المغرب كان واضحاً، ليس فقط مع إسبانيا، بل مع جميع أصدقائه وشركائه، ذلك أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، عبّر بوضوح عن أن المغرب ينظر بمناظر مغربية الصحراء إلى شراكاته وصداقاته مع باقي الدول، وبالتالي صار واضحاً في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، أنها لن تدخل في أي تعاون أو شراكة لا يقومان على وضوح الموقف من قضية الصحراء، ونتذكر هنا الأزمة التي شهدها المغرب في علاقته بألمانيا بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وهو ما دفع برلين إلى مراجعة موقفها، وكذلك الأمر مع عدد من الدول، بخاصة الغربية التي تعتبر حليفاً تقليدياً للمغرب لكنها على مدى عقود حافظت على موقف رمادي من القضية المركزية للمغاربة.  

 أظهرت زيارة بيدرو سانشيز التزام إسبانيا التحول التاريخي الذي شهده موقفها من قضية الصحراء المغربية عبر دعم مبادرة الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، وكما يعلم الجميع أن هذا التحول كان له تأثير خاص على المستوى الدولي، وذلك باعتبار إسبانيا المستعمر السابق والدولة التي كانت تتكلف إدارة الإقليم، كما أن إسبانيا هي عضو ضمن مجموعة أصدقاء الصحراء التي لها دور في القرارات الأممية ذات الصلة بقضية الصحراء المغربية، وأهمية تجديد الموقف الإسباني تظهر جلياً من خلال إبرازها في بلاغ الديوان الملكي الذي أعلن عن استقبال الملك محمد السادس لرئيس الحكومة الإسبانية. الزيارة أيضاً تأتي في إطار تثمين المكتسبات وتطويرها بين البلدين منذ البيان المشترك سنة 2022، هذه المكتسبات تعززت اليوم من خلال التنظيم المشترك لكأس العالم بالاشتراك مع البرتغال سنة 2030، ذلك أن هذا التنظيم يفتح فرصاً استثنائية للشراكة بين البلدين، وقد أظهرت تقديرات الرئيس بيدرو سانشيز أن المقاولات الإسبانية معنية بالمشاركة في صفقات البنية التحتية التي سيطلقها المغرب، والتي تصل إلى 45 مليار أورو في أفق 2050، ومعنى ذلك أن العلاقات بين البلدين دخلت إلى مستوى عال من الجدية، وأن طابعها الاستراتيجي يظهر كيف أنها ممتدة في الزمن لأكثر من عقدين قادمين، وهذا يمثل نتيجة منطقية للتحولات والفرص التي يتيحها المغرب بوصفه قوة جهوية صاعدة ولاعباً أساسياً في أفريقيا وأفريقيا الأطلسية، بالإضافة إلى المبادرة ذات الطابع الجيوستراتيجي التي تقدم بها العاهل المغربي في خطاب المسيرة الخضراء السنة الماضية، والمتعلقة بربط دول الساحل والصحراء بالمحيط الأطلسي ووضع البنية التحتية المينائية والطرقية والسككية واللوجستية المغربية رهن إشارة دول المنطقة. 

بالتأكيد هناك قضايا أخرى ما زالت تحتاج إلى نقاش بين الرباط ومدريد، وهي في معظمها ذات طابع سيادي، منها ترسيم الحدود البحرية، علماً أن البرلمان المغربي بغرفتيه صادق بالإجماع في كانون الثاني (يناير) 2020 على القانون الرقم 38.17، المتعلق بتغيير وتتميم القانون الرقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، والقانون الرقم 37.17، المتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 2 آذار (مارس) 1973، المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية للمملكة المغربية، وهو ما يعتبر بمثابة “مسيرة زرقاء” بعد المسيرة الخضراء، إذ بسط فيها المغرب سيادته على الواجهة البحرية للصحراء المغربية، ومصادقة البرلمان المغربي بغرفتيه، بالإجماع على هذين القانونين، كان تعبيراً قوياً عن الإجماع الوطني في قضايا الوحدة الترابية. يضاف إلى ذلك موضوع نقل إدارت المجال الجوي فوق الصحراء إلى المغرب، وذلك بصفة رسمية بما يقضتيه من إجراءات ومساطر في المنظمات الدولية المعنية بالطيران المدني، هذا الأمر أصبح أمراً مسلماً به، وهو ما أكدته الصحافة الإسبانية في أكثر من مناسبة. غير أن الإسبان يحاولون مقايضة قرار نقل الإدارة الجوية للصحراء بفتح حدود جمركية على مستوى المدينتين المحتلتين من طرف إسبانيا شمال المغرب (سبتة ومليلية) وفك الحصار التجاري الخانق الذي فرضه المغرب عليهما منذ سنوات، وبما أن المغرب لا يعترف بالسيادة الإسبانية على الثغرين، فإنه من غير المتوقع تحقيق المطالب الإسبانية بالصيغة التي تطلبها مدريد، فالمغرب لا يمكن أن ينشئ وضعاً حول المدينتين المحتلتين ينفي عنهما الطابع المغربي، بل في حد أقصى يمكن توقع تدبير جمركي خاص واستثنائي.

بصفة عامة تظهر العلاقات المغربية الإسبانية نضجاً كبيراً وتمثل نموذجاً للتعاون بين الشمال والجنوب على قاعدة “رابح رابح”، وهو ما يقدم إضافة نوعية إلى استقرار المنطقة، بخاصة على ضفتي مضيق جبل طارق في ظل التحديات الأمنية الكبرى التي تعرفها التجارة العالمية في باب المندب.

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة