الدكتور عبد الله بوصوف
بداية يمكننا الجزم ان الشيخ ” حسن العطار ” يعتبر من الشخصيات التي ظلمتها العديد من القراءات التاريخية ، كما كان ضحية للعديد من القراءات الغير الموضوعية لفترة مهمة نعتبرها ” فترة مُؤَسِسة ” للعصرنة و الحداثة بالعالم العربي و الإسلامي..و هذا ما يبرر الكم الهائل من الانتاجات الفكرية و القراءات التاريخية و الإصدارات الغزيرة و الدراسات التحليلية لمؤرخين من الغرب و الشرق طيلة قرنين من الزمن….
فالشيخ ” حسن العطار ” في نظرنا المتواضع ، يستحق عناية أكبر و مساحة أوسع ..كما يستحق إعادة قراءة جادة لتاريخه الكبير و مذكراته و كتبه وأشعاره.. و لنبوغه و دوره في مرحلة مفصلية في تاريخ مصر والإمبراطورية العثمانية…
ونحن هنا ، لا نعني أنه وقع طمس كُلي لتاريخ الرجل ، بل نعني فقــط انه ينتابنا إحساس غريب إذ في كل مناسبات الحديث عنه وكأن يد خفية تنقلنا بسرعة للحديث عن مراحل لاحقة أو عن شخصيات معاصرة له… في عمليات قفز مريبة على المراحل التاريخية…تكررت بطريقة فيها الكثير من الشك و الريبة … في حين أن كل تلك الشخصيات كالشيخ الطهطاوي مثلا أو غيره… إما تتلمذت على يد ” الشيخ العطار ” أو استفادت من مشاريعه و برامجه…
على أننا سنحاول فقط ، تدشين مُقدِمات لقراءات جديدة ، و من زاوية جديدة لتاريخ الشيخ ” حسن العطار “… تاركين لغيرنا سد فراغات سَهْوِنا…و للبعض الآخر مواصلة تفكيك شخصية الشيخ العطار أو ” الرقم الصعب ” في عملية النهضة العربية و الإسلامية في عهد والي مصر ” محمد علي باشا “…
فمن المعروف أن الشيخ ” حسن العطار” و هو حسن بن محمد بن محمود العطار ازداد و توفي بمصر سنيتيْ 1766-1835…هــو من أصول مغربية…ذكاء ونبوغ و سرعة بديهة و اطلاع علمي واسع و غيرها… كانت علامات و صفات أجمعت عليها كل القراءات التاريخية …حتى وصل الى مَشْيخة الأزهر الشريف و اعتباره كأول شيخ أزهر من أصل غير مصري ، بين سنيتيْ 1830-1835…
فبدخول القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال نابليون بونابرت إلى مصر، كان الشيخ حسن العطار قد تجاوز العقد الثالث من عمره بقليل…و لانه سمع بأعمال القتل و الفتك أثناء الحملة الفرنسية…فقد هرب من القاهرة مع مجموعة من علماء الأزهر إلى صعيد مصر…لكنه سرعان ما سيعودون إليها بعد تطمينات و بعد ما أُشِـيع أن الحملة الفرنسية جاءت لدفع ظلم المماليك…
و هي العودة التي تكللت بتقارب الشيخ حسن العطار مع العلماء الفرنسيين أعضاء ” لجنة العلوم والفنون ” المرافقة لجيوش نابليون في حملته على مصر..و تطورت العلاقة الى ان اصبح معلما للغة العربية للعديد من ضباط الجيش الفرنسي ، و مقربا من علماء اللجنة الفرنسية بالقاهرة و خاصة ” فرانسوا جومار “1777- 1862…
كما كانت تلك العلاقة مناسبة للشيخ حسن العطار للدخول ” للمعهد المصري بالقاهرة ” و التعرف على علوم الفرنسيين و تجاربهم و آلاتهم وخاصة آلة الطباعة و أدوات علوم الفلك والهندسة وغيرها…وأيضا التعرف على عاداتهم الاجتماعية ومناهج تفكير مفكريهم و أدبائهم و فلاسفة عصر الأنوار الفرنسي…وهو ما يعني ان الشيخ حسن العطار اصبح يمتلك أدوات اللغة الفرنسية جيدا..
التقرب من العلماء و الآداب و العلوم فرنسا عصر الأنوار..كلها عوامل ساهمت في صقل شخصية الشيخ العطار سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي أو على مستوى طرق التحصيل العلمي و البيداغوجي و الانفتاح على العلوم العقلية ( الحقة )…
وهو ما ظهر جليا من خلال كتاباته وأشعاره و أيضا في طريقة تدريسه لطلابه بالأزهر سواء على مستوى التلقين والإلقاء حيث لم يكن يعتمد على الاستظهار أو القراءة من الأوراق و الكتب، أو على مستوى المواد المدرسة حيث أصبح طلابه يستفيدون من دروس التاريخ و الجغرافيا أيضا….
فنبوغـه و ذكاءه وموسوعيته العلمية لم تكن أبـدا محل خلاف سواء بين معاصريه و طلبته ..سواء مشارقة أو مستشرقين من المؤرخين و العلماء و ..كعبد الرحمن الجبرتي و محمد شهاب الشاعر و عبد الرحمن الرافعي و الشيخ عبد المتعال الصعيدي وغيرهم كثير…
على أن أمر التضييق على ” الشيخ حسن العطار ” من طرف زملائه بالأزهر…لم يكن ســرا…بل تناولته العديد من الكتابات و تداولته الكثير من المذكرات خاصة لتلاميذته و طلابه…
و لم تسلم حتى هذه الرحلة من وُجُود نقط ضبابية في خط سير الشيخ حسن العطار .. ورصد أماكن تواجده حيث نجد أغلب الكتابات تناولت الأماكن بنوع من العمومية المُرِيبَة.. وتقفز عن الحديث عن أماكن أخرى لها دلالات سياسية ومعرفية معينة… فالكل كان متفق على سفره وإقامته بكل من إسطنبول و الشام… لكن هناك كتابات ذكرت رحلته الى ” ألبانيا ” و إقامته بها خمس سنوات و زواجه هناك.. و هناك كتابات أخرى تناولت الحديث عن إقامته بفرنسا لمدة معينة…
إلا أن الثابت في الأمر ، هو قيامه برحلة سفر طويلة جدا لم تكن للنزهة ، بل كانت فترة مهمة في تكوينه المعرفي والسياسي والأكاديمي… وكانت إضافة مهمة الى شخصية الشيخ” حسن العطار ” في مجال الإصلاح والتنوير والتجديد..
و يبدو أن شبكة أصدقاء ” الشيخ حسن العطار ” من المؤثرين و النافذين و قربى عائلة ” محمد علي باشا ” ، كانت قوية و كافية لتجنب الاصطدام مع الوالي ” محمد علي باشا ” وهي علاقات مكنته من تحقيق مشروعه الإصلاحي على مستوى التعليمي و الثقافي و الفكري في عصره…و هيأت ظروف عمل جيدا إلى جانب الوالي الذي كان يسمع نداءات الشيخ العطار بإنشاء مدارس الهندسة و الطب و الصيدلة و الترجمة و تأسيس جريدة الوقائع المصرية وسيُفتـي بجواز التشريح الطبي ممهدا الطريق لدراسة علم التشريح بمصر وتنظيم المستشفيات العمومية…..كما أشرف على أول بعثة مصرية نحو فرنسا و اقترح تلميذه ” رفاعة الطهطاوي ” ليكون على رأس المبعوثين المصريين للخارج سنة 1826…
لكن رغم تقرب الشيخ حسن العطار من كل رموز السلطة في عهده ، و على رأسهم الوالي ” محمد علي باشا ” ، فانه حافظ على علاقته القوية و صداقته الحميمة بشيخ المؤرخين عبدالرحمن الجبرتي… و الذي أسهم معه في تأليف كتاب ” مظهر التقديس…” و المعروف أن ” الجبرتي ” لم يكن في وفاق تام مع الوالي “محمد علي باشا ” الذي تتهمه أغلب الأدبيات التاريخية بتدبير حادث مقتل ابن المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي…
و سيقوم الوالي ” محمد علي باشا ” بخرق عرف اعتاد عليه علماء الأزهر …و ذلك بتعيين شيخ الأزهر من بين العلماء الأكبر سنا…حيث إن الوالي ” محمد علي باشا ” لم يتدخل في مسألة تعيين شيخ الأزهـر…بل اعتبره شيئا داخليا…لكنه في سنة1830 … سيخرق هذا العرف بتعيينه للشيخ حسن العطار على رأس مشيخة الازهر الشريف ، و يصبح بذلك الشيخ حسن العطار أول شيخ أزهر غير مصري…استمر في منصبه إلى حين وفاته في سنة 1835…مخلفا إرثا علميا و فكريا و سبقا في مجالات النهضة و التنوير و التجديد…
وسيواصل طلبته حمل مشعل التنوير والتجديد.. والسير على خطاه في مجالات الفكر و الشعر و العلوم و السياسة و اقتفاء أثر قيم العدالة و الحرية… و كان أبرز أصدقائه شيخ المؤرخين ” عبد الرحمن الجبرتي ” و ” إسماعيل بن سعد الخشاب ” وهو أحد الأدباء و المؤرخين الكبار الذين عاشوا بين أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر…حيث شكلوا ثلاثيا رائدا في مجالاتهم…أما ابرز طلبته فالتاريخ يحدثنا بصفة خاصة عن ” محمد عياد الطنطاوي” والشيخ ” رفاعة الطهطاوي”…
( فقرات من كتاب تحت الطبع….)