الصحافي فؤاد السعدي
شهرين على تعيين يونس التازي واليا على جهة طنجة تطوان الحسيمة كانت كافية لنتبين أن أسلوبا جديدا في التدبير أخذ يرتسم على الواقع العنيد، وقد يبشر بالأفضل في الآتي من الأيام، شريطة الإستمرار في التصدي للمثبطات وعدم الإنحناء أمام ضغط الجهات المستفيدة من الخلل والراعية لأسبابه.
فمدينة طنجة كما يعلم الجميع لها رصيد محترم من سوء التدبير ووسائل الإعلام الحرة لا تتوانى في سرد ما يتاح لها منه، لأجل تنوير الرأي العام ومده بمعطيات الإدانة للتجاوزات والإختلالات. وفرضية تشكل خلية تقنية للنظر في احتمال وجود انبعاثات غريبة المصدر تعرفها أجواء المدينة وتشخيص مسبباتها بات ضروريا ويتطلب نوعا من الجرأة والشجاعة للقطع مع هذا العبث في تدبير الشأن العام المحلي.
ولعل الخطوة التي عمد الوالي الجديد الى اتخاذها مؤخرا والمتعلقة بإعفاء رئيس قسم التعمير بجماعة طنجة كانت مؤشرا ايجابيا على رغبة أعلى سلطة في المدينة في تنقية الادارة من الفساد وغلق منافد العبث والعشوائية إلا أنها تبقى غير كافية طالما لم يتم بعد فتح تحقيق دقيق حول الدوافع وراء إعفاءه، وكشف الجهة أو الجهات التي كانت وراءه، على اعتبار أن قطاع التعمير وسياسة المدينة أصبح يشكل بؤرة للفساد منذ تولي الليموري زمام تدبير جماعة طنجة، وخير دليل التحقيقات التي تجريها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في هذا الموضوع.
الأكيد أن الوالي التازي قد اجتمعت لديه كل أدلة الادانة كي يوقع على إعفاء الرجل، لكن ألا يستدعي ذلك فتح تحقيق في أسباب هذه الإدانة والمتورطين المحتملين فيها؟ خصوصا إذا علمنا أن رئيس قسم التعمير بالجماعة هو مجرد حلقة في سلسلة تضم كل من رئيس قسم التعمير بالعمالة والمسؤول عن الوكالة الحضرية بالإضافة الى عمدة المدينة في إطار قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وهل سيهز زلزال الاعفاءات عرش رئيس قسم الجماعات الترابية بعمالة طنجة أيضا ومسؤولين آخرين أم سيتم الإكتفاء بمن كان رأسه جاهزا للمقصلة؟
وحتى وإن استحضر الوالي التازي بعض أسرار قضية الرأسمال البشري، وشروط التنظيم والحكامة في برنامجه التنموي، ودعا إلى تثمين التجارب والخبرات السابقة، وعدم القطيعة مع مكتسبات الماضي، وما حققه الحرس الإداري القديم، وأياديه “البيضاء” على استقرار واستمرار حياة الإدارة، فإن هذا النموذج بطريقة أو بأخرى، لن يجتهد إلا في حفظ التوازن بين رغبات و”نزوات” الجهة الغالبة، وطموحات و”أحلام” الجهة القادمة، أي أنه يضع رجلا في رقعة ساحة المسؤول الإداري الحالي، ورجلا في رقعة ساحة مشروع المسؤول القادم، حسب تقديرات سياسية وفلكية يتقنها، ليضمن له موطئ قدم في كل لحظة تاريخية تعيشها المدينة.
مع كل هذا، نستطيع أن نزعم أن عهدا جديدا ومتميزا بدأت تشع ملامحه، وسينعكس تدبيره الواعي والمتبصر لا محال على مآل التنمية المحلية في جميع أبعادها. تدبير قوامه الإنصات والنزول إلى العمق المجتمعي لتحديد الأولويات وحصر المشاكل المؤرقة ومعالجة البؤر العنيدة، وهذا يقتضي، طبعا، من الوالي التازي مزيدا من الجرأة والتجرد والأمانة، وعدم حصر مهامه في النطاق الوظيفي/ البروتوكولي الصرف.
وللحديث بقية..