كما لا يعقل أن نجد في كل الدول رؤساء وأمناء عامين للأحزاب صغار السن يعكس حيوية، ونشاط الأحزاب إلا عندنا فإننا نرى زعماء أحزاب ورؤساء منذ نعومة أظفارنا إلى يومنا هذا جاثمين على صدورنا بلا ذرة حياء، ويتكلمون عن تداول في السلطة، مثلهم مثل أغلب شيوخ الزوايا وزعماء الطوائف، فبدل أن يكون التداول على الحكم والعمل المؤسساتي وبذهنية الجماعية وخاصة ونحن في زمن الاختصاصات والتكتل لتحقيق التنمية المستديمة، نعاني حالة من التشردم في الحياة السياسية والتعفن الحاصل فيها كنتيجة لأحادية التسيير والتدبير وسيطرة عقلية الفرد على كل دواليب القرار، التي تعتبر من المثبطات التي لا تعيق التقدم فحسب بل أصبحت عبئا إضافيا على مجتمعاتنا التي أحبطها استبداد في الرأي وقوض من همتها وزاد من محنتها، مما أتاح الفرصة لردة الفعل من طرف الشعوب كتعبير للقهر الاجتماعي والشقاء الاقتصادي وسياسة التهميش والإقصاء، فبدل أن نتكتل ونوجه بوصلتنا وسهامنا للعدو الصهيوني تفرقنا وخلقوا لنا أعداء وهميين مثل إيران .. وطبعا حفاظا على مصلحتهم الشخصية والفئوية الرخيصة ومناصبهم والامتيازات التي يحضون بها، فتبعيتهم أعمت بصيرتهم وتحول ولاءهم ضد شعوبهم ويصيرون ملكيين أكثر من الملك في الدفاع عن سياساتهم المتخلفة وابتكار تبريرات والإبداع فيها لتعليق فشلهم على الغير، إن لم يبلغ الأمر إلى العمالة والتآمر كما حصل في العراق ويحصل الآن في أفغانستان وفلسطين وكما هو الحاصل الآن في أغلب الأحزاب التي خاننا ممثلوها في البرلمانات المعينة ” المنتخبة”
بالتزوير وشراء الذمم.
وهذا ما أدى إلى خلق ردود أفعال مضادة وعنيفة في بعض الأحيان”اعتصامات، مظاهرات،و…” وبدل أن تنشغل النظم في تجهيز جيوشها وحماية حدودها،التجأت إلى زيادة قوات أمنها وصار أكثر بكثير من جيوشها وعوض السماح بالتعددية السياسية والسعي الهادف لتدبير الاختلاف بطريقة حضارية بدل نهج سياسة القمع والمنع والهتك الصارخ لحقوق الإنسان “الاعتقالات التعسفية،والمحاكمات الاستثنائية…مما انعكس سلبا على واقع المسلمين في كل أصقاع العالم الذين يعيشون في ذل ومهانة، تستباح دماؤنا وتهدر كرامتنا وتزهق أرواحنا ولا موقف من المجازر التي ارتكبت في العراق والإبادة في أفغانستان والحصار المضروب على فلسطين التي تنتهك فيها حقوق البشر والشجر، ولم يقف الوضع عند هذا الحد بل تعداه بالسخرية من المسلمين والتناوب على إذلالهم من طرف الغرب والاستفزاز الذي لحق بنا ، الفيلم السينمائي الهولندي الذي أساء للرسول الأكرم والرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية والتي تبعتها النرويج سويسرا واسبانيا وألمانيا وفرنسا،في ذلك تحت مبدأ غربي مزيف ” السخرية من أكثر الأمور قدسية وتقليد أساسي لا يقبل المساومة “، فهذا التطاول على مقدساتنا من كل الدول الغربية الذي تلاه المآذن والنقاب والحجاب في الجامعات …إلى بيع لحم الخنزير مكتوب عليه حلال وضرورة مشاهدة الفتاة العارية لتحظى بالفيزا بالنسبة للدنمرك وهكذا دواليك
في حين إن الأمر لو طال المقدسات اليهودية أوإنكار للمحرقة لاتهم صاحبها بمعاداة السامية ولكان مصيره السجن كما حصل مع المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينغ الذي سجن في النمسا بتهمة إنكار المحرقة أو كمصير لروجيه جارودي الذي تعرض للاضطهاد وغيرهما كثير. شيء مؤسف أن يظل موقفنا الشجب والتنديد ومؤسف أيضا عندما يتخلى علمائنا وقاداتنا عن مسؤوليتهم فيسمحون لشخص واحد يتفرد بمصير الأمة ويتلاعب بأهدافها ورسالتها، ولا تقول كلمة الحق أمام الفساد المستشري والمحسوبية والمجاملات على حساب مصلحة الوطن وتكريس مبدأ تعيين المناصب الحساسة في الدولة من سفراء ووزراء على قدر الولاء والطاعة العمياء، أما الأعلم والأروع والأكفأ فلا مكان لهم عند الزعيم بقدر ما يهمه الحفاظ على منصبه ولو على حساب مصير الأمة .
وما يقع في هرم السلطة إنما هو نتيجة حتمية لما يقع في أحزابنا وجمعياتنا ومنظماتنا النقابية التي لم تسلم هي الأخرى من الفردية في اتخاذ القرار والارتجال في التسيير والتدبير الذي لا يخضع للعلم والعقل والمنطق بل للأهواء الشخصية والنعرة القبلية والعصبيات الجاهلية فسبب هذا الذل والهوان الذي نعيشه بين الأمم ليس راجع لضعفنا وعدم قدرتنا على مواكبة التقدم وإنما راجع بالأساس لوجود الإنسان الغير المناسب في المكان المناسب ، ولوجود البطانة السيئة المتملقة للحاكم وبين دواليب الحكم ومصادر القرار، ولارتماء واحتماء الطبقة الحاكمة بين أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والتآمر على شعوبها ولنصرتنا للباطل والتهليل للرويبضة “كيفما تكونوا يولى عليكم ” كما قال حبيبنا المصطفى وكذلك لعدم وجود بيئة سليمة وصالحة للخلق والإبداع فلا تطلب من غريب أن يحسن معاملتنا في حين أننا نحتقر أنفسنا ونهين كرامة بعضنا البعض “ما حصل بين مصر والجزائر بسبب مبارة كرة القدم ” ونعادي ونستخدم ألفاظ نابية وعنصرية في البلد الواحد وفي المدينة الواحدة وحتى في الحي الواحد وهكذا دواليك.. إن المجتمع العربي والإسلامي يزخر بالنماذج الحية والمبدعة المعطاءة في سائر المجالات وجميع التخصصات من جهابد العلماء وفطاحل المفكرين لهم القدرة على أن يضطلعوا بمسؤولياتهم وأدوارهم على كل الصعد في مشروع مجتمعي متكامل ينشد التغيير ويحقق التنمية المطلوبة والتقدم في كل المجالات التي نحن في أمس الحاجة إليها، لو سنحت لها الفرصة وتوفر المناخ الديمقراطي السليم وحرية التعبير في إبراز ذلك، لكن للأسف لم يترك لها لكع بن لكع أية فرصة لذلك بل حوربت بشتى الطرق تارة بالمنع والحجر وتارة أخرى بالتضييق عليها وخلق حالة من اليأس والإحباط في صفوف المواطنين ليكونوا أداة لخدمة مآربهم ومصالحهم الضيقة، أوينشغلون بمطالبهم البسيطة عن المطالبة بما هو أسمى وأهم…
ما يقع في هرم السلطة إنما هو نتيجة حتمية لما يقع في أحزابنا وجمعياتنا ومنظماتنا النقابية، التي لم تسلم هي الأخرى من الفردية في اتخاذ القرار والارتجال في التسيير والتدبير الذي لا يخضع للعلم والعقل والمنطق، بل للأهواء الشخصية والنعرةالقبلية والعصبيات الجاهلية.
موضوع الفردية والارتجال في اتخاذ القرارات بشكل أحادي ولوعلي حساب القيم ومصالح المجتمع، وكرامته يعتبر في نظرنا وفي نظر المجتمعات المتقدمة من أفتك وأخطر الأمراض التي أصابت وتصيب أمتنا الإسلامية، حيث سيطرت الفر دانية وحكم الفرد على مجتمعاتنا المتخلفة عقود من الزمن بل أضحت أحد أهم أسبابه في التخلف والتفكك تحت قاعدة نظرية فرعونية لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد،كما هو حال الأنظمة الشمولية عندنا والأحزاب الاستبدادية، والطوائف .. بخلفية الرجل المسيطر والقائد الأوحد والملهم،أهل الحل والعقد الذي بيده مفاتيح كل شيء، ذو الفكر الأحادي ويدور في خلده حالة من القدسية والنرجسية المطلقة،وما إن ينازعه أحد الزعامة أو القيادة في المجتمع،أو الحزب ، طائفة ،جمعية،..فيجعل من الأمر خطا أحمر ومن المقدسات، ويعتبر المختلف في الرأي معه العدو اللذوذ أو عميل لأحد الجهات أويعتبرها فتنة الطائفية … فيستخدم كل الأسلحة بما فيها الغير الأخلاقية ، انطلاقا بالاستعانة بالمخزون الثقافي والإسلامي ولو بمفاهيم مغلوطة وأحاديث مزيفة وبتاريخ كله ملفق ، وبعقلية بالية يتجه لعلماء الدرهم والدينار ويقيم الدنيا ولا يقعدها في سبيل ذالك الكرسي أو تلك الزعامة أو الحظوة فيسخر الإعلام المأجور والكلب المسعور..وهكذا غير عابئ بنبض الشارع ومطالبه الأساسية، فبتنا نسمع عن قوانين مثل الطوارئ أو الإرهاب أو …تغيير الدساتير لتتلاءم مع أهواء الحاكم ومصالحه الشخصية فلا يعقل أن تكون الرئاسة ولايتين في أغلب الدول الديمقراطية إلا عندنا فالرئيس مثله مثل العاهل فهو باق في الحكم ، إلى أن يشاء الله حتى تأتيه المنية ولا يقف عند هذا الحد بل تعداه، وأصبح يورث كما يورث باقي متاعه.