الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
أثار توقيف وزارة الأوقاف المغربية خطيب صلاة الجمعة في مسجد المنبر بطنجة، الأسبوع الماضي، موجة عارمة من الاستياء والاستنكار على المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد جاء قرار توقيف هذا الخطيب، الذي وصفه النشطاء ب”المجحفّ” على إثر رفضه للخطبة الموحدة التي أقرتها الوزارة انطلاقا من الأسبوع الماضي.
وأعلن أحمد أجندوز، الإمام الموقوف، بتلقيه قرار كتابيا من وزارة الأوقاف يقضي بإنهاء تكليفه خطيبا وإماما، في مسجد المنبر بطنجة، بدعوى جزّه بالخطبة في أمور ضيقة. مشيرا إلى أن استمرار توصل الخطباء بالخطبة الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف سيجعل مصيرهم المزبلة، وسينزلهم منزلة الدمية أو الرسوم المتحركة. كما قال إنه لا يتقاضى من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية سوى 400 درهم شهريا، وأن جماعة من الناس هم من يؤدون له مبلغا أخر من المال يسد به ضائقته وحاجياته وأسرته.
وقد كانت مساجد المغرب يوم الجمعة الماضية، قد شرعت في تنفيذ خطة “تسديد التبليغ” الدينية التي أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتضمنت توحيد خطبة الجمعة بهدف “إصلاحها وتجاوز الاختلالات التي تعتريها”. حسب قولهما.
وقد خلف هذا الإجراء بالإضافة إلى الاستنكار، جدلا كبيرا بين رواد المساجد والمهتمين بالشأن الديني. ورأوا فيه تكميما للأفواه، ودعوا إلى تمتيع الخطباء والوعاظ بالحرية بعيدا عن أسلوبي الترهيب والتهديد”.
وفي هذا السياق، قال أحد النشطاء بأن خطوة الوزارة بتوحيد الخطبة “تحنيط وتعليب للتبليغ وجعل الخطباء والوعاظ والعلماء مجرد مذيعي قنوات موظفين لديها ينطقون بما يقدمه المخرج في دهاليز الوزارة” معتبرا ذلك مخالفا للدين والشرع والسنة في الحرية التي أناطها الإسلام بالدعاة من خطباء وعلماء ووعاظ ومؤطرين في اختيار ما يرونه مناسبا لما هو مطروح أمامهم من قضايا مجتمعية، تستلزم التوجيه والإرشاد.
وعودة إلى توقيف خطيب الجمعة بمسجد المنبر بطنجة، لا بد من الإشارة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ مثل هذه القرارات المتسرعة والطائشة من قِبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد سبق أن قامت هذه الوزارة السيادية بتوقيف عددا من الأئمة والخطباء منذ تعيين احمد التوفيق على رأسها، وذلك بـدعوى مخالفتهم “دليل الإمام والخطيب والواعظ”، الذي أعدته الوزارة، وجعلته سيفا مصلتا على رقبة كل من غرد خارج السرب من الأئمة والخطباء.
لكن الأسباب غير المعلنة والثاوية وراء قرارات أحمد التوفيق لعزل وتوقيف الأئمة والخطباء، فلها -بدون شك- علاقة وطيدة بما يجري في غزة. فمنذ انطلاق طوفان الأقصى لاحظ المتتبعون للشأن الديني بالمغرب، أن خطباء صلاة الجمعة أصبحوا يتجنبون الدعاء لأهل فلسطين وغزة بالخصوص، ويكتفون بالدعاء بنصر الإسلام والمسلمين، ويمرون على ذلك مرور الكرام. فهل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي من أعطت تعليماتها بعدم تخصيص أهل غزة بالدعاء كما يتداول ذلك النشطاء؟
عندما سُئل أحمد التوفيق، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته بلجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس المستشارين، عن توقيف الأئمة، برر ذلك بأن خطيبا خصص الخطبة كلها للدعاء على اليهود، واعتبر ذلك الخطيب بأنه لا يفقه في السياسة ولا يفرق بين اليهود والصهيونية.
السيد الوزير في جوابه وقف عند “ويل للمصلين” لإيهام المستمع بأن الخطيب المعني قد اقترف جرما كبيرا، بمعاداته أتباع الديانة اليهودية. لكن ما يجب توضيحه هنا، هو أن “اليهودية فعلا دينٌ من عند الله سبحانه وتعالى، ولها أنبياء كثر وأتباع كثر. وأن اليهود الذين يدينون باليهودية كانوا شعبا مشتّتا في بقاع الأرض إلى أن ابتلي المسلمون في القرن الماضي بتجمعهم في فلسطين بعد احتلالها.
وأما الصهيونية فهي حركة سياسية تأسست بهدف إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ولهذا فالصهيوني: هو الذي يرغب في العودة إلى جبل صهيون أرض الميعاد حتى يقيم فيها دولته. وقد كانت جولدا مائير (رابع رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية بين 1969 حتى 1974) تقول: “ليس اليهودي الفرنسي واليهودي الأمريكي واليهودي الإنجليزي بصهيوني إلا بعد أن يحزم حقائبه ويذهب إلى إسرائيل، وعليه السيد الوزير اسمع تتمة الكلام: “إن جميع اليهود الذين يستوطنون في فلسطين صهاينة، ويجب محاربتهم والدعاء عليهم. لأنهم محاربون ومحتلون لأرض فلسطين وما أدراك ما فلسطين: فهي أرض الإسراء والمعراج، لو كنتَ تعلم!
يعتبر أحمد التوفيق أقدم وزير في التشكيلات الحكومية المتعاقبة منذ 2002، حيث ترأس الوزارة تحت إمرة خمسة رؤساء حكومات ووزراء أولين، ويتعلق الأمر بإدريس جطو، عباس الفاسي، عبد الإله ابن كيران، سعد الدين العثماني، ثم عزيز أخنوش. لكن في الحقيقة تاريخ هذا الوزير لا يقاس بعمر هذه الحكومات التي كان أحد أعضائها، ولكن بخرجاته غير الموفقة وعدائه للأئمة والعلماء والتضييق على القيمين الدينيين.
فهو وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي يدافع عن مهرجان موازين رغم أنه يوصف بمهرجان المجون والفاحشة والعري والكلام الساقط، وهو الذي يدافع عن اليهود المحاربين الذين يحتلون فلسطين، وهو الذي يكنّ العداوة للعلماء والخطباء، ويتعقبهم على مواقع التواصل، ويحمّلهم تخلّف الأمة الإسلامية، وانتشار التطرف والغلو في وسط الشباب، فيقوم بعزلهم لمجرد ممارسة حريتهم في التعبير وتغريدهم خارج سرب وزارته.
وهو الذي يرى أن مسألة المعاملات البنكية بفوائد في عصرنا، عصر الائتمان والتضخم والتعاقد وأنواع الاستثمار، نظام لا علاقة له في نظره بسياق النهي القرآني عن الربا. وهو المتهم بإغلاق مساجد المملكة، ووضع خطة لإحصاء عدد المصلين رواد المساجد.
كل هذه الخرجات والشطحات هي تاريخ هذا الوزير، وقد كانت تستوجب إعفاءه منذ زمن بعيد، ولكن لا ندري لماذا يتمّ الاحتفاظ به رغم ما يقال عنه؟
فلاش: كنت كتبتُ مقالا في هذا المنبر عن حال ومآل العلماء والخطباء والقيمين في الفترة الطويلة التي قضاها أحمد التوفيق على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تطرقت فيه إلى كيف يتم استهداف الخطباء والعلماء بمجرد الدعاء لأهل فلسطين أو الدعاء على اليهود الغاصبين الذين يقتلون الفلسطينيين بدم بارد، وتساءلت يومئذ ماذا يريد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي من العلماء وأئمة المساجد؟
واليوم، وهو يتمادى في إيذاء الخطباء والعلماء، أتساءل لماذا يكره أحمد التوفيق العلماء وأئمة المساجد؟ ولماذا يهاجمهم ويصفهم بالطفيليين، ويبخّس منهم ومن دورهم؟ ولماذا يعادي هذه الفئة الكريمة من حاملي كتاب الله عز وجل؟
سؤال والله حيرني، مع العلم أن الله تعالى قد توعد في حديث قدسي صحيح كل من عادى له وليّا بالحرب. ولا أظن البتّة أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لم يطلع على هذا الحديث. ولكن عند الله تجتمع الخصوم، فطوبى لمن كان مظلوما، والويل للظالم في ذلك اليوم.