لم تعد الحكومة قادرة على استيعاب المزيد من الانتقادات الصادرة عن مؤسسات الحكامة الدستورية، حيث يتكرر الصدام مع كل تقرير جديد يصدر عن هذه الهيئات. فبعد توتر سابق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمندوبية السامية للتخطيط، جاء الدور هذه المرة على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث هاجم الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الهيئة بشدة أمس الخميس.
سبب هذا التوتر هو تصريحات رئيس الهيئة، محمد بشير الراشيدي، خلال مؤتمر صحفي لتقديم التقرير السنوي للهيئة، حيث أشار إلى أن مرسوم أكتوبر 2017 ينص على اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد مرتين سنوياً على الأقل، في حين لم تجتمع اللجنة إلا مرتين في غضون عشر سنوات.
الانتقادات من مؤسسات الحكامة لم تقتصر على هذه الهيئة فقط. فالحكومة دخلت في صدامات متكررة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد تقريره حول الشباب، حيث شكك رئيس الحكومة عزيز أخنوش في توقيت إصدار التقرير، تلميحاً إلى أن المؤسسة تستهدف الحكومة أثناء تقديم حصيلتها. العلاقة مع المندوبية السامية للتخطيط كانت متوترة أيضاً، خاصة فيما يتعلق بأرقام البطالة التي لا تنسجم مع توقعات الحكومة، ما دفع رئيس المندوبية، أحمد لحليمي، للتصريح بأن جميع الحكومات طلبت من الملك إعفاءه.
لكن الصدام الأبرز كان بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووالي بنك المغرب، عبد الرفيع الجواهري، بعد تقرير البنك حول الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد. الجواهري انتقد بشدة السياسات الاقتصادية للحكومة، وخصوصاً فيما يتعلق بإدارة التضخم. هذا الانتقاد أثار غضب أخنوش الذي رد بقوة، متهماً الجواهري بالتهويل والمبالغة في تصوير الأزمات المالية، مما أدى إلى تعميق هوة الخلاف بين الجانبين.
تظهر هذه الصدامات المتكررة أن مؤسسات الحكامة، باعتبارها هيئات مستقلة غير خاضعة لسلطة الحكومة، قد تكون عصية على الترويض أو الانسجام مع الخطاب الرسمي. هذه المؤسسات لا تتبنى بالضرورة نظرة الحكومة التفاؤلية، مما يجعل العلاقة معها محفوفة بالخلافات والتوترات المستمرة.