أكد الرئيس الفرنسي، فخامة السيد إيمانويل ماكرون، أن المغرب وفرنسا يسعيان إلى إرساء “أسس شراكة استثنائية وطيدة”.
وقال السيد ماكرون، في خطاب ألقاه خلال جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان، إن “المغرب وفرنسا يسعيان اليوم إلى إرساء أسس شراكة استثنائية وطيدة بين بلدينا، وتقديم هذا السجل الجديد المشرق حول الماضي والمستشرف للمستقبل” للأجيال المقبلة.
وأضاف “في الوقت الذي قررنا فيه، بمعية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، صياغة سجل جديد، سويا، أود أن أشاطركم يقيني بأن هذه الروابط ستتعزز بشكل مطرد”، معربا عن شكره لجلالة الملك على “العبارات القوية التي خص بها جلالته فرنسا هنا في 11 أكتوبر الجاري”.
وبعد أن ذكر بأن المغرب يظل إحدى أعرق الملكيات في العالم، شدد الرئيس الفرنسي على أن المملكة “تمضي بثقة، وهي ثقة في ذاتها وفي ملكها، وبالوعي الذي يمنحه إياها تاريخها التليد وحيوية شباب مفعم بالرغبة في مواكبة ازدهارها”.
وأبرز، في هذا السياق، قيم التنوع والحوار والتسامح التي تظل في صلب هوية الشعب المغربي ومؤسساته ودستوره.
وتابع الرئيس الفرنسي أن الإسلام السمح الذي يدعو إليه جلالة الملك، أمير المؤمنين، يشكل حصنا منيعا أمام التطرف بكافة أشكاله، لافتا إلى أن هذا الغنى الذي ينعم به المغرب يكتسي قيمة ثمينة وهو جدير بالتقدير في عالم يمزقه اللاتسامح والحروب”.
وبعدما جدد التأكيد على روابط الصداقة المتفردة التي تجمع المغرب وفرنسا، لفت السيد ماكرون إلى أن “25 سنة مضت على اعتلاء جلالة الملك عرش المملكة، ما يجسد استمرارية إحدى أعرق الملكيات في العالم وأحد وجوه الحداثة الصناعية والتكنولوجية”.
وأشار، في هذا الصدد، إلى أنه “بالنسبة لربع القرن المقبل، تلوح جميع الرهانات وكل الممكنات”، مسجلا أنه “من خلال تجديد التأكيد على رابط الصداقة الفريد من نوعه في هذه الذكرى السنوية، أرى الفرصة والحاجة لصياغة هذا السجل الجديد لمواجهة تحديات القرن ورفعها”.
من جهة أخرى، أبرز الرئيس الفرنسي مختلف أوجه الشراكة الاستثنائية التي تربط المغرب وفرنسا، مستحضرا، في هذا السياق، الشراكة في مجال الأمن ومكافحة التهريب بكافة أشكاله “الذي يحيق بمجتمعاتنا ويهدد دولنا”.
ولم يفت السيد ماكرون التأكيد على أن فرنسا وقفت دائما إلى جانب المغرب لمواكبة دينامية التطور السوسيو اقتصادي التي يشهدها، مشيرا، في هذا الإطار، إلى قطاعات التربية والتعليم العالي والاستثمار.
كما سلط الضوء على العديد من القطاعات الواعدة التي يقيم فيها البلدان تعاونا وثيقا، مستشهدا ببلورة القطار فائق السرعة والصناعات الثقافية والإبداعية التي تطمح فرنسا والمغرب إلى جعلها “عنصرا محوريا” في استقطاب الشباب وتوفير فرص الشغل لهم.
وأضاف الرئيس الفرنسي، في هذا السياق، أن البلدين يعملان سويا على “تطوير شراكات استراتيجية جديدة، من خلال تعبئة جميع إمكاناتنا الاقتصادية والتكنولوجية والأكاديمية والفنية”.
من جانب آخر، أعرب السيد ماكرون عن التزام باريس بتعزيز التعاون مع المغرب حول قضية المياه والتكيف، مشيدا، في الوقت نفسه، بالتقدم الذي أحرزته المملكة في هذا المجال، ومؤكدا أن المغرب يملك تجربة جديرة بالاقتداء من قبل بقية بلدان العالم “ولهذا السبب آمل أن يكون الطريق السيار للماء في صلب أشغال قمة (وان واتر ساميت) التي سيتم تنظيمها في نهاية العام، وأن يتسنى لنا مواكبتكم في هذا المسار غير المسبوق للتكيف والسيادة”.
كما جدد الرئيس الفرنسي التأكيد على الإرادة التي تحدو بلاده لإقامة شراكات جديدة مع المغرب في مجالات “الصناعة والصحة والرقمنة، وكذا في مجال الفلاحة، الذي يعد ضروريا لتحقيق الأمن الغذائي لبلدينا وللقارة”.
وفي معرض تطرقه لقضية الصحراء المغربية، حرص السيد ماكرون على التأكيد بقوة على أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية”.
وشدد على أن “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. ومخطط الحكم الذاتي لسنة 2007 يشكل الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، وعادل، ومستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وتابع أن هذا الموقف “المتجذر في التاريخ، المراعي للحقائق والمستشرف للمستقبل”، هو الموقف الذي ستعمل فرنسا على تفعيله لمواكبة المغرب داخل الهيئات الدولية.
كما أكد رئيس الدولة الفرنسية، من جهة أخرى، على أهمية الشراكة المغربية-الفرنسية في إفريقيا، منوها، في هذا الصدد، برؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس تجاه القارة الإفريقية.
وقال السيد ماكرون إن “المغرب، بفضل موقعه الجغرافي وتاريخه، وثقافته، ورؤية ملوكه، يؤكد منذ القدم مكانته كأرضية وجسر ومسار متفرد”، مبرزا أن الاستقرار الذي تنعم به المملكة، وانفتاحها وتطورها، “كلها مؤهلات متفردة، نقدرها حق قدرها، والتي من شأنها أن تشكل مصدر إلهام لمبادرات مشتركة”.
وبعدما سلط الضوء على الحاجة إلى إرساء شراكة ثلاثية جديدة مع إفريقيا، استعرض الرئيس الفرنسي قطاعات من قبيل التربية، والفلاحة، والمشاريع الإيكولوجية، والمجال الرقمي، والطاقة كمجالات يمكن أن تكون موضوع مبادرات مشتركة.
و”لإدراج علاقاتنا ضمن مسار يستشرف المستقبل، والتمكن من تحقيق هذا الطموح وهذه المشاريع”، أكد السيد ماكرون أنه اقترح على صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن “يجمع فرنسا والمغرب إطار استراتيجي جديد قد يتم التوقيع عليه 70 سنة بعد اتفاق (لا سين-سانت-كلود)، بمناسبة زيارة دولة لفرنسا قبلها جلالة الملك”.
وفي معرض حديثه عن الوضع بالشرق الأوسط، أشاد الرئيس ماكرون بالدور الذي يضطلع به صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، والتزامه الشخصي من أجل تقديم المساعدات الإنسانية المستعجلة للساكنتين الفلسطينية واللبنانية.
وتابع بالقول “أشيد بالانخراط القوي لجلالته وللمغرب قاطبة، من أجل نزع فتيل التصعيد، واستئناف الحوار وإطلاق مسار سياسي موثوق”، مسجلا أنه في ظل حالة الشد والجذب الراهنة، التي تتداخل فيها نزعات التطرف من كل حدب وصوب، يصدح صوت المغرب قويا ومتفردا”.