ما بعد حماس أم ما بعد إسرائيل؟

بقلم  : ذ.أمين بوشعيب / إيطاليا

عندما شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤها الحرب على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى”، كثر الحديث آنذاك على مستقبل القطاع بعد الحرب، وعلى من سيتولى الحكم فيه بعد حماس.
في البداية، فبينما تحدّثت الإدارة الأميركية عن الحاجة إلى قوة دولية، وتولّي السلطة الفلسطينية الحكم على المدى الطويل، رفض بنيامين نتنياهو وحكومة حربه، رفضاً قاطعاً، عودة السلطة الفلسطينية لاستلام الحكم في قطاع غزة، وأكد أن إسرائيل ستكون لها اليد العليا إلى أجل غير مسمّى في القضايا الأمنية ، مستبعدا أي دور مستقبلي للسلطة في القطاع، ومتمسّكا بإقامة منطقة عازلة في شمال القطاع.
فما هو إذا مستقبل غزة بعد الحرب؟ ومن سيقرر مصيرها؟
لقد كان الرئيس الأميركي جو بايدن أول من أدان طوفان الأقصى، وأكَّد على أن دعم بلاده لإسرائيل «صلبٌ كالصَّخر وراسخ»، وأعلن أن إدارته ستستمر في تجهيز جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يحتاجه من أحدث أنواع الأسلحة، للدفاع عن نفسها، معتبرا في نفس الوقت أن “حماس” منظمة إرهابية يجب معاقبتها.
وعلى درب بايدن سار قادة الدول الغربية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا وغيرهم من القادة (من عجم وعرب) كلهم أعربوا عن تأييدهم لإسرائيل في شنّ الحرب على الفلسطينيين، على اعتبار أنه من حقها الدفاع عن نفسها، في تحدّ سافر للقانون الدولي، علما ب”أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تتعارض وتتناقض مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة في الدفاع عن النفس، وأن التصريحات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية بهذا الشأن ليست تصريحات قانونية، بل سياسية منحازة لإسرائيل” إذ كيف يكون للمحتلّ الحق في الدفاع عن نفسه؟

                                                                 
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي يحرص على البقاء في السلطة لتجنب الإدانة بتهم الفساد الخطيرة التي يواجهها، وجد في هذا الدعم الغربي الفرصة المواتية لذلك. فتوعد حماس بدفع ثمن باهظ، وقال بأن إسرائيل ستتجه لعملية واسعة للحفاظ على “السيطرة الأمنية الشاملة” على القطاع، وذلك بعد القضاء على ما سماه “المخربين” وبالتالي ضمان عدم حدوث هجوم مماثل لطوفان الأقصى.
ومن أجل بلوغ هذا الهدف قام بتشكيل طاقم سري لإعداد خطة حول مستقبل قطاع غزة برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى أفراد من الجيش والأمن العام (الشاباك) والاستخبارات الخارجية (الموساد)، وأبلغ وزيرَ الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن إسرائيل ستقيم “منطقة أمنية عميقة” داخل قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، وستكون إسرائيل وحدها المسؤولة عن الأمن، وعن نزع السلاح في غزة.
لكن ماذا حدث في ميدان القتال، بعد أن زجّ نتنياهو بجيشه في المعارك البرية؟  وكيف أدارت المقاومة الفلسطينية المعركة ضد إسرائيل؟  
ففي الوقت الذي كان نتنياهو يخطط للقضاء على حماس، كان أبطال المقاومة الأشاوس يقفون على أرضهم بثبات يسطرون أروع الملاحم العسكرية ضد الغزاة الصهاينة، فأحالوهم إلى إما قتيل، أو أسير، أو معاق، أو متعرِّض لأزمة نفسية. وها قد مرّت اليوم عدة أسابيع على العدوان الصهيوني دون أن يحقق جيش الاحتلال الإسرائيلي أيّا من الأهداف المعلنة للحرب على الشعب الفلسطيني.


وبالمقابل أظهر سير العمليات العسكرية في قطاع غزة أن حجم الخسائر الهائلة في صفوف جيش الاحتلال الصهيوني، هي أضعاف ما يتم الإعلان عنه من قبل حكومة نتنياهو، وربما تكون الأكبر في تاريخه العسكري، مما أحدث تمردا وسط الجنود وانهيارا تامّا لروحهم المعنوية، وانعداما لحماستهم في حرب يعتقدون أنها عبثية لم تحقق أيا من أهدافها، وأنهم يُستخدمون من قبل نتنياهو وشركائه لأهداف شخصية وسياسية.
لقد أصبحت لدى الإسرائيليين وكل الصهاينة، قناعة تامة بالفشل المزمن، والهزيمة الكاملة، في هذه الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم من أمريكا وحلفائها، ففي مقال لافت في “يديعوت” بقلم الدكتور نحمان شاي، وهو وزير سابق للشتات، ومتحدّث سابق باسم الجيش قال فيه “إن علينا أن ننظر إلى المستقبل ونتذكر أنه بدون الدعم الدولي لن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا لفترة طويلة في جميع المجالات، ولا يمكن العيش دون دعم … محذّرا في نفس الوقت من سيناريو نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا” وهو سيناريو: “العزلة والضعف والضغوط الدولية وأخيرا الاستسلام”. 
الخيار العسكري الذي نهجته الحكومة الصهيونية لم يُفضِ إلى تحرير ولو أسير واحد، ولم يُسهم بتقويض حكم حماس، أو الحدّ من قوتها العسكرية. لكن الشيء الوحيد الذي حققه جيش الاحتلال الإسرائيلي هو الإبادة التي يمارسها أمام مرأى ومسمع العالم، في حق المدنيين، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، حيث أسفرت هذه الحملة إلى حدود الساعة عن استشهاد أكثر من عشرين ألفا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وإصابة أكثر من خمسين ألفا آخرين.        
كما خلفت هذه الحرب الهمجية التي لم يسبق لها مثيل في الصر الحالي، دمارا هائلا في البنايات، حيث تمّ تدمير أكثر من 305 آلاف وحدة سكنية، من خلال إلقاء الطائرات الإسرائيلية ألقت الحربية أكثر من 52 ألف طن من المتفجرات على منازل المواطنين، والمستشفيات والمدارس والمؤسسات المدنية. ومع ذلك لا تزال المقاومة الفلسطينية، إلى غاية يومنا هذا، قوية ومتماسكة، وقادرة على تكبيد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، في الأرواح والعتاد، وقادرة أيضا على تهديد أمن الصهاينة المحتلين في كل أرض فلسطين من خلال الرشقات الصاروخية.    
وبهذا الصدد –وبعد صمت طويل- وصفت وسائل إعلام إسرائيلية أن أيام هذه الحرب كلها سوداء على إسرائيل، بسبب الارتفاع الكبير في عدد قتلى الجنود الإسرائيليين يوميا. مما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعترف في يوم الأحد 24 دجنبر، بأن جيشه يتكبد خسائر فادحة، وبأنهم يدفعون ثمنا باهظا جدا في الحرب، لكنه بالمقابل يؤكد على مواصلة الحرب، في إصرار عجيب وغباء منفرد النظير، وكأنه يقود إسرائيل إلى الهاوية.
وها هو الكاتب والصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست في مقال بموقع “ميدل إيست آي” يقول: “إن أحلام نتنياهو بتدمير حماس قد تقضي على إسرائيل” وها هو الكاتب اليهودي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز نشرته يوم 22 دجنبر 2023 يستغيث بأمريكا لإنقاذ “إسرائيل” من نفسها!     


وفريدمان هنا إنما يردّد ما يقوله عدد من كبار المحلّلين الإسرائيليين، ومنهم قادة سياسيون وأمنيون كبار، وخلاصته استحالة تحقيق الأهداف التي أعلنها مجلس الحرب الصهيوني.              
إن عملية السابع من أكتوبر – تقول صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية “أدت إلى إحداث تحول جذري في المشهد السياسي في إسرائيل بشكل مؤكد. وأن هناك شيئا دراماتيكيا قد تغير في المجتمع الإسرائيلي … والجميع يدرك ذلك، فقد تضررت ثقتها بنفسها، واهتز إحساسها بالأمان، وتحطمت ثقتها في قادتها السياسيين والعسكريين”
وما مشاهد الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين إلا دليل قاطع على تآكل بنية وجود إسرائيل من خلال هروب الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج تحت وطأة ضربات المقاومة الفلسطينية، ونبوءات متواترة ومخيفة عن زوال قريب لهذا الكيان المزروع في خصر الأمة العربية، فتصبح فلسطين حرة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. 
فلاش: جوابا على سؤال عنوان هذه المقالة نقول بأن كل المتتبعين لما يحدث في غزة، يجمعون على أن ما قبل السابع من أكتوبر ليس كبعده، لأن طوفان الأقصى حرّر الأمة العربية والإسلامية من أوهام التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين، وهو أيضا إيذان لتشكُّل عالم جديد، عالم بدون إسرائيل، وبدون هيمنة أمريكية، ولا أنظمة مطبّعة، ولا منظمات دولية تابعة للهوى الأمريكي.            
نعم، عالم بدون إسرائيل يا نتنياهو!  و”إن كنت ناسيا سيذكّرك أبو عبيدة” هكذا علق مصريون على حديث الناطق باسم  كتائب عزالدين  القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- عما يوصف بنبوءة إسرائيلية تعرف بـ “لعنة العقد الثامن” 

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة