بقلم: إدريس رحاوي
في العاشر من غشت من كل عام، تحتفل المملكة المغربية باليوم الوطني لمغاربة العالم، وهو يوم يحمل في طياته أهمية خاصة. يُعد هذا اليوم مناسبة للتأمل في دور مغاربة العالم في التنمية، ولكنه يثير أيضًا تساؤلات حول مدى إدراك الحكومة لأهمية هذه الجالية في دفع عجلة التقدم الوطني. السؤال الذي يطرح نفسه: متى ستدرك الحكومة الأهمية الكبيرة لمغاربة العالم في تحقيق التحولات التي يحتاجها المغرب؟
مغاربة العالم: كنز بشري لا يُقدر بثمن
من الصعب إنكار ما قدمه مغاربة العالم لبلدهم سواء على الصعيد الرياضي أو الثقافي أو العلمي … الرياضيون المغاربة من أصول مهاجرة، خاصة في كرة القدم، أبانوا عن قدرات استثنائية، ووضعوا اسم المغرب في مصاف الدول المتقدمة رياضيًا. لكن هذا النجاح الرياضي ليس إلا جزءًا من الصورة الأكبر، حيث يمتلك مغاربة العالم كفاءات وتجارب يمكن أن تشكل قاعدة صلبة لنهضة شاملة في المغرب، إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح.
الإقصاء غير المبرر
ورغم هذه الكفاءات الهائلة، يظل هناك إقصاء لمغاربة العالم من المساهمة الفعلية في التنمية الوطنية. في الوقت الذي تُستثمر فيه قدراتهم الرياضية، نجد تجاهلًا واضحًا لإمكاناتهم في مجالات أخرى مثل الاقتصاد، العلوم، الثقافة، والتكنولوجيا. لماذا لا يُشرك مغاربة العالم في المشاريع الكبرى؟ لماذا يتم تجاهل إسهاماتهم القيمة وخبراتهم المتنوعة؟
التفعيل الفعلي للخطب الملكية السامية
لقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطبه السامية على أهمية الجالية المغربية ودورها في تنمية البلاد و دعا إلى إشراكها في مختلف المشاريع التنموية، ولكن تطبيق هذه التوجيهات على أرض الواقع ما زالت تنتظر التفعيل الحكومي لها . وفتح نقاش حقيقي وخطة واضحة لدمج هذه الكفاءات، يبقى الدور الذي يلعبه مغاربة العالم محدودًا وغير مستغل بالشكل الأمثل.
التحديات الاقتصادية
تقدر تحويلات مغاربة العالم بأكثر من 100 مليار درهم سنويًا، مما يجعلها مصدرًا حيويًا لدعم الاقتصاد الوطني. ولكن، للأسف، ام يستفد بشكل فعال مغاربة العالم من هذه التحويلات أو توفير الفرص الاقتصادية وتشجيعهم من اجل المشاركة الحقيقية في التنمية المحلية .
التحديات الثقافية والهوية
الحفاظ على الهوية المغربية يشكل تحديًا كبيرًا لمغاربة العالم، خاصة الأجيال الثالثة والرابعة وهناك بعض الدول التي تعرف الاجيال السادسة منهم، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة التأثيرات الثقافية المتعددة في بلدان المهجر. هذه الفجوة الثقافية تؤثر على ارتباطهم بالوطن، ما يستدعي جهودًا أكبر لتعزيز انتمائهم وهويتهم الوطنية والإسهام في وضع خطط حديثة في نشر الثقافة المغربية والهوية الوطنية
التحديات السياسية
ورغم أن دستور 2011 أقر بحق مغاربة العالم في المشاركة السياسية، إلا أن هذا الحق لم يُفعّل بشكل كافٍ. المشاركة السياسية لمغاربة العالم لا تزال تنتظر تفعيلها ، مما يحرم المغرب من الاستفادة من رؤى وإمكانات جالية كبيرة قادرة على الإسهام في صنع القرارات الوطنية.
الدعوة إلى الحوار والتكامل
في ظل هذه التحديات، يصبح من الضروري فتح نقاش شامل مع المؤسسات المعنية بمغاربة العالم، ليس فقط لتشخيص المشكلات، ولكن لإيجاد حلول فعالة ومستدامة تضمن إشراكهم في العملية التنموية.
إن مغاربة العالم يمثلون كنزًا بشريًا يجب استثماره بشكل أفضل لتحقيق التنمية المستدامة. إدراك الحكومة لدورهم الحيوي يمكن أن يكون المفتاح لتحقيق التقدم والازدهار الذي يطمح إليه المغرب. على الحكومة أن تتحرك بسرعة لتفعيل السياسات التي تضمن إشراك مغاربة العالم في بناء مستقبل المغرب، ليكون اليوم الوطني لمغاربة العالم احتفالًا حقيقيًا بمساهماتهم، وليس مجرد ذكرى رمزية.