“مخطط المغرب الأخضر”، أكذوبة الأمن الغذائي

بقلم : ذ. فؤاد السعدي
وضع لهيب اسعار المواد الاستهلاكية الذي أحرق جيوب المغاربة وأثر على المائدة المغربية خصوصا خلال شهر رمضان، (وضع) على محك اختبار مخطط المغرب الأخضر الذي رعاه رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، منذ دخوله عالم السياسة، سنة 2007، بتوليه حقيبة وزارة الفلاحة والصيد البحري في حكومة عباس الفاسي. ليعلن بعد ذلك انطلاق الاستراتيجية الفلاحية التنموية باسم “مخطط المغرب الأخضر” بعد ستة أشهر على تشكيل الحكومة، مستعينا في ذلك بمكتب دراسات أميركي لإعداد مخطط استراتيجي يتولى تأطير السياسة العمومية في القطاع الفلاحي  قرابة عقد ونصف  بميزانية بلغت 4.5 مليارات دولار من الدعم العمومي، باسم الوزير ورجل الأعمال عزيز أخنوش، إلى درجة أضحى معها عابرا لكل الحكومات المتعاقبة على المغرب، فقد تبنّته حكومة عبد الإله بنكيران ثم حكومة سعد الدين العثماني. ومن أجل تنمية القطاع الفلاحي وإعطاء دينامية متطوّرة له، استند هذا المخطط إلى دعامتين أساسيتين، أولها فلاحة عصرية؛ تستجيب لمتطلبات وتنافسية السوق الدولية، والثانية فلاحة تضامنية؛ ترمي إلى محاربة الفقر بالعالم القروي، عبر تحسين دخل الفلاحين.

ومن أجل إقناع المغاربة بنجاح مخططه يستعين أخنوش بلغة الأرقام، فهو رجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة، مذكرا أن سياسته الفلاحية ساهمت في رفع الناتج الداخلي الخام، من 6.8 مليارات دولار إلى 13 مليار دولار خلال عشر سنوات (2008-2018). وبوّئت الفلاحة المغربية مكانة مرموقة؛ فالمغرب أضحى بذلك ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية الغذائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ورابع أكبر مصدّر لهذه المنتجات بالقارة السمراء.

حصيلة يراد من تسويقها التأكيد على نجاح عزيز أخنوش في تحقيق ثورة في القطاع الفلاحي بالمغرب، رغم أن الحقيقة غير ذلك إن لم نقل صادمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمردود عشر سنوات من الاشتغال وفق مخطط رصدت له الدولة كل الإمكانات (توفير العقار، الدعم المالي..) لإنجاحه، لم يرقَ إلى مستوى التطلعات، بما في ذلك الأهداف المسطّرة في إطار المخطط نفسه، سيما المتعلق بتحقيق مائة مليار درهم كثروة إضافية للقطاع، في أفق 2020. ناهيك عن سؤال حارق حول الكلفة المدفوعة نظير بلوغ هذه المراتب، وتسجيل تلك النسب والأرقام؟ وأي معنى يكون لهذا المخطط في ظل عجزه عن تحقيق الأمن الغذائي؟

لا ينكر إلا جاحد نجاح مخطط المغرب الأخضر في رفع الإنتاج الفلاحي الخاص لمجموعة من المواد، سيما الموجهة نحو التصدير. نتيجة كانت على حساب المواطن المغربي الذي وجد نفسه، في شهر رمضان، يقتني منتجات محلية (الطماطم، الفلفل الأحمر..) بأثمنة تفوق سعر بيعها في الدول الأوروبية، حتى قيل إن مخطط وزارة الفلاحة “أخضر في عيون
 الشركات المصدرة، وأسود في عيون المواطن الفقير”.
داخليا، فشل المخطط فشلا ذريعا في كسب رهاناتٍ عديدة، بدءا بدعامة الفلاحة التضامنية التي طالما تغنّى معدّو المخطط بأنها السبيل الأمثل لمحاربة الفقر بالقرى، وتجويد ظروف عيش الفلاحين، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، عبر مقاربة متميزة تراعى فيها الخصوصية المحلية، وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق .. وهلم جرا من الأهداف التي ظلت حبرا على ورق. وهذا تقييم قد يبدو لكثيرين منحازا لكنه قطعا ليس كذلك، إذ سبق لمؤسسات رسمية في المغرب، أن أثبتت في تقارير موضوعاتية التقييم نفسه عن مخطط المغرب الأخضر، فقد ساءلت المندوبية السامية للتخطيط حصيلته، في تقرير لها “أية آفاق للتعبية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟”. وانتقدت التركيز على رفع صادرات الخضر والفواكه، على حساب تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في المواد الأساسية (الحبوب، الزيوت ..)، ما جعل السوق المحلية عرضةً لتقلبات الأسعار دوليا. وأظهر قصور المخطط عن توفير الأمن الغذائي للمغاربة، لتعلق أهداف كبرى فيه بالسماء (التساقطات المطرية). كما سجلت تراجعا واضحا في نسبة مساهمة القطاع في سوق الشغل، بالانتقال سنة الانطلاق من 40 % إلى 34 % سنة 2018. ودعا المجلس الأعلى للحسابات في تقارير عدة إلى مراجعة جذرية للمخطط الذي لم يراع المخاطر البيئية والمائية. وحذّر من أزمة جفاف في المنظور القريب، مع الارتفاع المتزايد في منسوب استنزاف الفلاحة المغربية للمياه (89%)، في وقت يشهد تراجعا مهولا في المخزون المائي للمملكة، نتيجة تعاقب سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية، فالحرص على الاستجابة لطلبات الأسواق الأوروبية، بإنتاج زراعات تستزف المياه (الحوامض، البطيخ الأحمر، الأفوكادو ..) كانت كلفته التفريط في الأمن الغذائي والمائي للمملكة، حتى شاعت بين المغاربة، مع بداية إنتاج البطيخ الأحمر، مقولة “حان موسم تصدير المياه المغربية إلى الأسواق الأوروبية”، بعد متابعتهم وقائع عطش مئات هكتارات من الأراضي، بسبب اختيارات فلاحية غير مناسبة.

كان لهيب الأسعار في الأسواق الداخلية؛ لا سيما المنتجات الزراعية المحلية، خلال شهر الصيام وما قبله، لحظة مثالية أمام المغاربة لتقييم حقيقي لنتائج المخطط، ما يجعله بلا تأثير في ترتيب المؤسسات الدولية، ويعلن بما لا يدع مجالا للشك أن أخنوش فشل فشلا ذريعا في مهامه كوزير للفلاحة فكيف ننتظر نجاحه كرئيس حكومة ولعل المؤشرات الحالية تتحدث عن نفسها.

يرفض عزيز أخنوش، منذ 14 عاما أمضاها وزيرا للفلاحة، أي تقييم أو نقد لمخطط المغرب الأخضر المبني على وصفات جاهزة، أعدّها خبراء أجانب (مؤسسة ماكنزي الأميركية) يجهلون كل الجهل تعقيدات الواقع المغربي، ضبَطت السياسة العمومية في القطاع الفلاحي، وبحلول لحظة المساءلة والتقييم هرب إلى الأمام بإطلاق وزارته استراتيجية زراعية جديدة باسم “الجيل الأخضر 2020-2030″، الذي تبناها الكاتب العام السابق بعد أن أصبح هو وزير الفلاحة الحالي لتورية على فضائح وكوارث مخطّط  الذي حول المغرب إلى ضيعة كبرى، تتولى تلبية حاجيات بلدان الاتحاد الأوروبي، على حساب أمن المغاربة وصحتهم وسلامتهم.

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة