كم عدد الجيوش العربية؟ وكم عدد الدبابات والطائرات التي تمتلكها؟ وكم عدد الأموال التي تُنفق من الميزانيات العامة لتسليح هاته الجيوش؟
الجواب هو أن تعداد القوات المسلحة في الدول العربية (2.344.830) جنديـًا، وأما عدد الطائرات الحربية التي تمتلكها الدول العربية فيبلغ (3362) طائرة حربية مقاتلة، وعدد المصفحات يصل إلى (30197) مصفحة، وعدد الدبابات يبلغ (16919) دبابة، ورغم أن الدول العربية تنفق الأموال الطائلة على تحديث جيوشها، فإن هذه الأخيرة “لا تتمتع بالفعالية”،
والمشكلة، وفق تقرير حديث لمجلة الإيكونوميست البريطانية، ليست في نقص المال أو المعدات، فمثلا الإنفاق العسكري المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر والأردن يصل إلى أكثر من 120 مليار دولار سنويا ويمكن لتلك الدول العربية معا حشد 944 ألف جندي و4800 دبابة و1000 طائرة مقاتلة. لكنها تبقى دون جدوى.
لا أريد أن أعقد مقارنة بين جيش العدو الإسرائيلي والجيوش العربية، فالفرق بينهما شاسع لصالح هذه الأخيرة سواء على مستوى العدد أو العتاد، لكنني أريد أن أتساءل: لماذا تقف كل هذه الجيوش عاجزة أمام ما يجري في فلسطين وفي غزة بالذات حيث يُباد شعب عن بكرة أبيه منذ ما يقرب من العام؟ ولماذا كل هذا الإسراف في تسليح الجيوش العربية إذا لم تهب إلى نجدة شعب عربي يباد على أيدي العدو الصهيوني؟ وأين هي اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟ أم أن الفلسطينيين ليسوا أشقاء، وأن فلسطين ليست دولة بالجامعة العربية، ولها حقوق طبقا لميثاق الجامعة بالدفاع المشترك لأي تهديد لها؟ وأين هي القوة العربية المشتركة التي تم تشكيلها سنة 2015 لصيانة الأمن القومي العربي، والمشاركة في تأمين عمليات الإغاثة، والمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة؟ أم أن ما يحدث لأهلنا في غزة وفلسطين من اضطهاد على يد الجيش الصهيوني لا يدخل ضمن المادة الثالثة من معاهدة 2015؟ فما الفائدة من جيوش كثيرة كغثاء السيل؟ وأين فتاوى الجهاد في سبيل الله، أم أنّ الآمر ليس أمريكا؟
فلا عجب إذا ألا نجد في سيرة الجيوش العربية أي مجد يذكر. والحقيقة المرة التي يجب الاعتراف بها أن الجيوش العربية أصبحت عبئا على شعوبها، تُنفَق عليها أموال طائلة من المال العام في تسليحٍ لا فائدة منه سوى قمع المعارضين، ومنع الشعوب من الوصول إلى الحكم الديمقراطي. كل هذه الجيوش المدججة بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية، لم تخض الحرب التي كانت تراهن عليها الشعوب العربية، ضد الكيان الصهيوني الغاصب وطرده من أرض الإسراء والمعراج.
وها هي اليوم تقف عاجزة تتفرج على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد القوات الصهيونية، دون أن تحرك ساكنا، بل وتقف سدا منيعا في وجه الشباب العربي لصده عن التطوع لإسناد إخوانهم الفلسطينيين في المقاومة.
وسط حالة العجز المزمن الذي أصيبت به الجيوش العربية، وحالة الإحباط واليأس اللذين أصيبت بهما الشعوب العربية، خرج يوم الأحد 8 شتنبر 2024، من الأردن البطل الشهيد ماهر الجازي مستقلا شاحنة كان يحمل فيها بضاعة، وتوجه إلى معبر اللنبي الذي يقع بين الأردن والضفة الغربية و”إسرائيل”، وعندما وصل إلى الهدف ترجل من شاحنته، وأخرج مسدسا كان قد خبأه وأطلق النار على ثلاثة صهاينة من قوات الأمن الإسرائيلية، فأصابهم إصابة مباشرة بالرأس أودت بحياتهم على الفور، قبل أن يطلق عليه الأمن الإسرائيلي النار ليرتقيَ شهيدا.
لقد حملت هذه العملية البطولية برأي كثير من المحللين عدة رسائل من بينها: ”أن إسرائيل برغم محاولاتها المستمرة في التطبيع مع الحكومات العربية قد فشلت في هذا الأمر مع الشعوب” و”أن الصراع بين الشعوب العربية ودولة الاحتلال هو صراع وجود وليس صراع حدود” و”أن عملية معبر اللنبي أو عملية الكرامة هي الرد الحقيقي على محاولات عزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي والإسلامي” و”أن ماهر الجازي بطل واحد بـثلاث رصاصات أيقظ في الشعوب العربية العزائم وذكرهم بأنهم أبناء أمة واحدة، وكرامةُ واحدة، وأن عملية الكرامة هي أصدق تعبير عن التضامن بين الأشقاء”. لكن أهم رسالة حسب تلك الآراء، هي: ”كيف يكون لدى العرب والمسلمين جيوشا جرارة وأسلحة فتاكة لكنها عاجزة وخاملة، وإنسان بسلاح بسيط يؤدي ما لم تستطعه تلك الجيوش” ”فإذا كان شباب الأمة مثل الشهيد القناص ماهر(أي على دراية ومدرب على حمل السلاح وسريع الحركة وواثق من نفسه) فلا مكان لليهود الصهاينة، وغيرهم من الأعداء على أرضنا”
منفذ عملية الكرامة لا ينتمي لأي جهة سياسية، ولم يسبق له أن هدد أو توعد إسرائيل بالويل والثبور، ولا قال: إنه سيذهب إلى غزة من أجل الشهادة أو النصر. فقط نفذ عمليته بواسطة مسدس صغير، كان وقعها على الكيان الصهيوني مزلزلا. هذه الرصاصات الثلاث أصابت اليهود بالرعب وأصابت قادتهم بالصدمة والسعار الشديد، لأنهم يعلمون أن الاحتفاء العربي الواسع بالشهيد البطل ماهر الجازي ونجاح عمليته ليس سوى خرق في جدار الصمت، سيشجع العديد من الشباب العربي على استلهام نموذجه، ومحاولة الخروج من حالة اليأس والإحباط، أمام عجز الأنظمة العربية وجيوشها في وقف المجازر غير المسبوقة التي تشهدها غزة ومواجهة مساعي تصفية القضية الفلسطينية المستمرة منذ سنوات طويلة.
ولعل تعليق المجرم النتن ياهو على عملية الكرامة يلخص ذلك حين قال: ” “ إنه يوم عصيب، لقد قُتل ثلاثة من مواطنينا بدم بارد عند جسر اللنبي. نحن محاطون بمجرمين يريدون قتلنا جميعا، نحن محاطون بأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني. القتلة لا يفرقون بيننا، إنهم يريدون قتلنا جميعاً حتى آخر إسرائيلي، من اليمين واليسار، علمانيين ومتدينين، يهودا وغير يهود” وتناسى هذا المجرم أفعاله وأفعال جيشه القذر تجاه الفلسطينيين.
إلى ذلك علّق الشيخ_أحمد_الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان على العملية بقوله: ” سرتنا مشاركة البطل الأردني في عملية ضد الاحتلال، وتلك سُنة حسنة يكتب لصاحبها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ فهنيئا له الشهادة. وما المجزرة التي ارتكبها العدو المجــرم في خان يونس إلا دليل فقدانه الاتزان بعدما رأى كيف يتسابق الأحرار إلى الشهادة وكيف يؤيدهم العالم الحر”
فلاش: ” هنيئا لك يا بطل.. وليعلم العالم كلنا ماهر الجازي” كانت هذه رسالة آلاف الأردنيين خلال مظاهرة ضخمة نصرة للمطالبة بتسليم جثمان الشهيد ماهر الجازي. لكن للأسف الشديد الدولة الأردنية اختارت الصمت، ولم تطالب بجثمان الشهيد ولم تطالب بالإفراج عن السائقين الأبرياء الذين اعتقلتهم إسرائيل، لقد وصلنا لمرحلة من الذل عجزت فيها الدول العربية حتى بالمطالبة بجثامين شهدائها مخافة إغضاب “إسرائيل” فيا للعار!