الأستاذ إدريس رحاوي
في كل بقعة من بقاع الأرض، تجد مغاربة العالم ينبضون بحب الوطن، يحملون هويته في قلوبهم وأرواحهم، حتى وإن فرقتهم المسافات والبحار. هم في الضفة الأخرى، لكنهم مغاربة في الدم والروح، لم نبتعد يوماً عن أرضنا، ولم نتنكر لانتمائنا. مغاربة العالم، كما يحلو للبعض أن يسميهم، هم أبناء المغرب أينما كانوا، يسعون للنجاح والتميز في مجتمعات مختلفة، لكن أعينهم دائماً متجهة نحو الوطن، حيث الجذور والذكريات والعشق الأبدي
في عالم مليء بالتحديات والصعوبات، يواجه مغاربة العالم واقعاً مختلفاً، مزيجاً من النجاحات الشخصية والتحديات الاجتماعية. يعيشون بين ثقافات مختلفة ومتشعبة يجمعون بين التقاليد المغربية والقيم الغربية، وفي قلوبهم همزة وصل تربطهم بأرض الأجداد. قد يظن البعض أن الحياة في الخارج مليئة بالرفاهية والسهولة، لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. مغاربة العالم يحملون على عاتقهم مسؤولية مزدوجة؛ التميز في بلدان الإقامة، والحفاظ على الهوية الوطنية والانتماء الثقافي الذي تربوا عليه.
رغم التحديات والعوائق، يثبت مغاربة العالم يوماً بعد يوم أنهم خير سفراء لوطنهم في كل مجال، من العلوم والتكنولوجيا إلى الرياضة والفنون، تجد المغاربة يحتلون مواقع الريادة، يرفعون راية الوطن في المحافل الدولية، ويمثلون المغرب خير تمثيل. ولعل ما حققه الفريق الوطني المغربي في مونديال قطر خير شاهد على هذه الروح القتالية والولاء العميق للوطن. اللاعبون الذين جاؤوا من “الضفة الأخرى” أبلوا البلاء الحسن، وأثبتوا أن المغرب، رغم بعد المسافات، يعيش في قلوبهم كنبض حي لا ينقطع.
لكن مع هذا النجاح، يبقى السؤال الملحّ: لماذا يتم تجاهل هذه الطاقات الهائلة في سياسات الحكومات المغربية؟ لماذا يتم التعامل مع مغاربة العالم وكأنهم جزء منفصل عن الوطن؟ إن مغاربة الخارج يحملون في جعبتهم خبرات وتجارب يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً في مسار التنمية الوطنية. ومع ذلك، نجد أن هؤلاء المغاربة يعيشون حالة من التجاهل من طرف المسؤولين رغم الرسائل الكثيرة التي مررها صاحب الجلالة نصره الله في العديد من الخطب ولكن لم تفك شفرتها الحكومات ولا المؤسسات المعنية بمغاربة العالم وكأنهم لا ينتمون إلى هذا الوطن الذي يعشقونه. هذا التقصير في التعامل مع كفاءات مغاربة العالم ليس مجرد تجاهل بسيط، بل هو تفويت لفرص ذهبية قد لا تتكرر.
إننا اليوم أمام مفترق طرق. إما أن نستثمر في مغاربة العالم، ونفتح لهم أبواب المشاركة الفعلية في بناء الوطن، أو نستمر في هذا النهج التقليدي الذي يعتمد على الخبرات المحلية وعقد صفقات مع جنسيات اخرى دون أن نلتفت إلى تلك الكفاءات التي تشع في مختلف بقاع العالم. المغرب، بتراثه وثقافته، يمتلك مقومات النجاح، لكن التطور والتقدم يتطلبان فتح المجال أمام الجميع للمساهمة. مغاربة العالم هم ثروة صامتة، ينتظرون فقط الفرصة ليقدموا ما لديهم من إبداع وابتكار، ليكونوا جزءاً من مسيرة النهضة التي يحلم بها كل مغربي.
إن مغاربة العالم ليسوا مغاربة من الدرجة الثانية، بل هم جزء أساسي من النسيج الوطني. علينا أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع هذه الشريحة المهمة من المجتمع المغربي، وأن نعطيها الفرصة للمساهمة في بناء المستقبل. نحن في الضفة الأخرى، لكننا مغاربة. مغاربة في الروح، في القلب، وفي العقل .