هل المصادقة على مدونة السلوك والأخلاقيات كفيلة بستر عورة البرلمان المغربي؟

الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا

صادق مجلس النواب المغربي خلال جلسة عمومية عقدها يوم الثلاثاء 16 يوليو 2024 بالأغلبية، على مقترح تعديل النظام الداخلي للمجلس برمّته، يستهدف تخليق الممارسة البرلمانية بشكل يساهم في تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة والرفع من مستوى مصداقيتها. وقد ارتكزت التعديلات المتعلقة بمدونة الأخلاقيات البرلمانية، على بلورة الآليات الكفيلة لتحقيق إلزامية تطبيق مقتضيات المدونة، بما يُمكّن من تخليق الحياة البرلمانية وترسيخ الثقة في المؤسسات المنتخبة.

وفي هذا السياق، همّ التعديل الأول التذكير بمدونة الأخلاقيات باعتبارها إحدى مشمولات النظام الداخلي لمجلس النواب مع استحضار ما جاء في الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى 60 لإحداث البرلمان المغربي.
وبذلك، تمت المصادقة على إضافة فقرة تنص على أنه “يضع المجلس مدونة للأخلاقيات تشكل جزءا لا يتجزأ من هذا النظام الداخلي وتتضمن بصفة خاصة المبادئ والواجبات والضوابط التي يجب على كل النائبات والنواب التقيد بها”.

أعتقد أن تمرير هذه المدونة، وإقرارها في غرفة البرلمان لم يأتيا من فراغ، ولكن وراء ذلك دوافع أهمّها، دافع الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس في شهر يناير الماضي، إلى البرلمان، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس أول برلمان منتخب، حيث دعا فيها إلى ضرورة تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، وتكون ذات طابع قانوني ملزم.

ودافع الفضائح التي أصبحت تلاحق البرلمان المغربي، بسبب تورط أغلب أعضائه في قضايا فساد، تتعلق باختلاس الأموال العمومية وتبديدها، والارتشاء والتزوير في وثائق رسمية وعرفية وتجارية، وكذا عقد صفقات الدراسات والأبحاث بطرق مشبوهة، ناهيك عن استغلال النفوذ لخدمة مصالحهم ومصالح زبنائهم وأقاربهم.

وبعد أن طفت فوق السطح، تلك الفضائح التي أصبحت حديث العام والخاص، في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وفي المنتديات والمقاهي، تمّ إحالة حوالي أكثر من سبعين (70) نائبا برلمانيا على جلسات المحاكم بتهم مختلفة منها تبديد واختلاس المال العام والتزوير في وتزوير المستندات والوثائق المثبتة لأوجه صرف أموال الدعم العمومي، كما أشارت إلى ذلك تقارير المجلس الأعلى للحسابات.

بالإضافة إلى اعتقال ومتابعة أكثر من مائة (100) منتَخب من بينهم رؤساء مجالس عمالات وأقاليم ورؤساء جماعات محلية، ووضع العشرات منهم تحت مسطرة العزل طبقا للمادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات.                                                                                           
الغريب في الأمر أن كل هؤلاء المجرمين، ينتمون إلى أحزاب سياسية سواء أكانت متواجدة في الأغلبية الحكومية أم في المعارضة.  والأغرب من ذلك أن يقوم وزير العدل عبد اللطيف وهبي بسحب مشروع القانون الجنائي الذي وضعته الحكومة السابقة، من البرلمان لأكثر من سنتين، وذلك لتضمنه المقتضيات المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع. بمبرر وجود خلافات بشأن صيغته النهائية داخل الحكومة، مما أخر إحالته على مسطرة المصادقة.

هذا السحب المتعمَّد هو الذي شجع أولئك المجرمين على استغلال هذه الهدية الممنوحة لهم من قِبل وزير العدل لمضاعفة ثرواتهم على حساب المال العام. وكان هذا الوزير نفسه قد صرّح  من قبل، في مداخلة أمام مجلس المستشارين، بأنه سيقوم بمنع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات ضد المنتخبين والشخصيات بشأن اختلاس المال العام، وذلك من خلال إحداث تعديل في قانون المسطرة الجنائية ينصُّ على أن وزير الداخلية هو من له الصلاحية في وضع شكايات لدى النيابة العامة بشأن اختلاس المال العام، وليس الجمعيات. في مخالفة صارخة للدستور المغربي؛ الذي منح في الفصول 14 و 15  و 139، الحق للمواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في تقديم عرائض لمجالس الجماعات الترابية، بهدف مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول اعماله.
وعليه، فإقرار مدونة السلوك والأخلاقيات التي ظلت تراوح لسنوات، وإخراجها في هذا الوقت بالضبط، ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون، ورفع الحرج، وإسكات الجدل الذي رافقها منذ تنصيب حكومة أخنوش. ويبقى ستر عورة البرلمان التي تبدّت مكشوفة أمام الجميع هو الدافع الأكبر والأساسي من إخراج هذه المدونة اليتيمة.

لقد قلناها أكثر من مرة في مقالات سابقة، ونعيدها ولا نملّ من تَكرارها بأن التجربة البرلمانية، التي انطلقت مع استقلال المغرب، لم تحقق آمال المغاربة في إثراء الحياة السياسية المبنية على الإبداع والابتكار، من أجل بناء مغرب ديمقراطي، تُقدَّس فيه المسؤولية، وذلك بسبب أحزاب فاسدة، تقوم بتزكية وترشيح المفسدين ليصبحوا برلمانيين. وعوض ذلك فقد أصبح هؤلاء عبئا على المغاربة، بسبب ارتفاع الأجور الخيالية، التي يتقاضونها، رغم مقاطعة الشعب المغربي لجلساتهم التي يقدمون فيها مسرحياتهم السخيفة. ولا يزال المغاربة يتساءلون كيف لبرلمان يترأسه رشيد الطالبي العلمي، المتورط في تبذير المال العام، والتهرب الضريبي أن يصدر ميثاقا للشرف والسلوك والأخلاقيات، فكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه.
فلاش: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” قول مأثور ومعروف عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث، ويروى أيضا عن عمر الفاروق رضي الله عنهما، و معناه: أن الله يزع بالسلطان أي بالعقوبات، المجرمين أكثر مما يزعهم بالقرآن؛ لضعف إيمانهم وقلة خوفهم من الله، وقلة بصيرتهم، ولكنهم يخافون السلطان القادر على سجنهم ومعاقبتهم، فيرعوون.

لذلك أرى ان الرسالة الملكية المتعلقة بتأطير العمل على تخليق الحياة البرلمانية، وعلاقة محاربة الفساد بتخليق الحياة البرلمانية والممارسة السياسية، غير كافية بل يجب قطع دابر المفسدين الذين يتخذون من العمل السياسي مطية للإفساد والإثراء غير المشروع، وهم معروفون لدى العام والخاص بأسمائهم وعناوينهم، والعمل على تطهير الأحزاب السياسية التي تزكي هؤلاء الفسدة. لأن معظم أمناء الأحزاب فاسدون وهم من يستقدم هذه النماذج المخربة لأركان الدولة.  

مغرب العالم: جريدة إلكترونية بلجيكية -مغربية مستقلة