الصحافي أمين بوشعيب / إيطاليا
ربما لا يعرف الكثيرون أن تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية كان قد أعدّ خطة باسم “خطة المغرب” واعتبرها بمثابة الخطة البديلة ل”خطة أوغندا” التي كان قد أعدها لتوطين اليهود في شرق أفريقيا. و”خطة المغرب” هاته كانت بغرض توطين يهود روسيا في غرب المغرب، من خلال اقتراح قدمه هرتزل في رسالة غامضة كتبها عام 1903.
وهو ما أكده يعقوب هاغويل رئيس المنظمة الصهيونية العالمية بأن “طرح خيار المغرب خصوصا، ومنطقة شمال أفريقيا عموما، يعني أن هرتزل كان براغماتياً للغاية، لقد رأى مشكلة اليهود المضطهدين في أوروبا الشرقية، ومن ناحية أخرى رأى أن المغرب لديه مجتمع يهودي مزدهر، مع مراكز يهودية نشطة، وبالنسبة له فقد ظهرت قناعة هرتزل باتجاه المغرب أكثر منطقية من أوغندا”.
لكن البروفيسور يوسي شطريت من قسم اللغة العبرية بجامعة حيفا قال إن “الخيار المغربي طُرح لأول مرة قبل “وايت” بوقت طويل، من قبل الشقيقين باروخ ويعقوب موشيه توليدانو، وهما ابنان لأبوين هاجرا من المغرب، وهما ناشطان صهيونان معروفان في ذلك الوقت”.وكشف أن “باروخ خاطب هرتزل قبل وفاته بعدة أشهر بهذا الخصوص.. إلا أن “موت هرتزل المفاجئ أدى لأرشفة الخطة، مع العديد من الخطط التي قدمت لليهود، مثل وطن مؤقت لليهود في العراق أو سوريا، ومن المثير للاهتمام، أنه لم يتم طرح مقترحات مثل كندا أو سويسرا، في حين أنه في 1820 ظهرت خطة مماثلة لإنشاء إقليم يهودي مستقل بالولايات المتحدة غير مأهول بالسكان، قبل أن يحلم أي شخص بالصهيونية”.
لماذا كل هذه المقدمة؟ وما المناسبة؟ في الأسبوع الماضي فوجئتُ كما كثير من المغاربة بإعلان الوزارة المغربية المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، أنها تلقت ملتمسا تشريعيا يطالب أصحابه بـ”منح الجنسية المغربية لجميع أبناء وأحفاد اليهود المغاربة. حيث أعلنت الوزارة المغربية المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، أنها تلقت ملتمسا تشريعيا يطالب أصحابه بـ”منح الجنسية المغربية لجميع أبناء وأحفاد اليهود المغاربة”. ويقول أصحاب الملتمس، الذي لم تكشف الوزارة عن أي تفاصيل عنهم، إنه يهدف إلى “تمتيع أبناء وأحفاد اليهود المغاربة بحقوقهم الدستورية والسياسية والدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها”، إلى جانب “إدماجهم في المجتمع”. وتحدث نص الملتمس الموجه إلى رئيس مجلس النواب على ما سماه بـ”إنهاء معاناة أبناء وأحفاد اليهود المغاربة، وصيانة حقوقهم، وإدماجهم”، ملتمسا تعديل قانون الجنسية المغربية، لمنحنها لجميع اليهود المغاربة، الذين سبق لهم أن تنازلوا عنها، ولجميع الأولاد والأحفاد المغاربة. ويطالب الملتمس بالتنصيص على إلزام الدولة بتوفير مختلف التسهيلات والإمكانيات والموارد، لإدماج أبناء وأحفاد اليهود المغاربة في الحياة الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وإحداث مديريات أو مصالح مركزية وخارجية في قطاعات وزارية، لتيسير إدماج اليهود المغاربة وتقديم خدمات عمومية معنية بهم. كما يدعو إلى التنصيص على أن تكون اللغة العبرية إضافة إلى اللغة العربية والأمازيغية لغة التواصل مع الفئات المحددة بهذا القانون، وتشمل جوانب أخرى تتجاوز الجنسية، إلى إلزام الدولة بالعمل على حماية الجالية اليهودية المغربية ومصالحها من أي تمييز أو استهداف أو اعتداء يطالها، بسبب دينها أو هويتها، في المغرب، وتعمل مع دول الإقامة لحمايتهم خارج المغرب. ولفتت الوزارة إلى أنه من المنتظر أن يتم تبليغ أصحاب الملتمس بقرار قبوله أو رفضه من قبل لجنة فحص تابعة لها، وذلك في أجل أقصاه 15 يوما، وفق الإجراءات القانونية المعمول بها. في اعتقادي أن هذا الملتمس مثير للشبهة، لأن الوزارة المعنية لم تكشف عن هُوية أصحاب الملتمس، وقد يكون بمثابة بالون اختبار لردود الشعب المغربي على هذه الدعوة المريبة. وإذا كانت الحكومة أعلنت أنها ستقوم بتبليغ أصحاب الملتمس بقرار قبوله أو رفضه في أجل أقصاه 15 يوما، فالشعب المغربي قال كلمته في حينه. وهي الرفض القاطع للملتمس، لأن إجازته تؤدي إلى تجنيس وتوطين قتلة متورطين في جرائم إبادة للشعب الفلسطيني. إن إسرائيل ومن يواليها يدركون أنْ لا مقام لها في أرض فلسطين، ف “لعنة العقد الثامن” حقيقة يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي السياسي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك لا ينفك يذكِّر بهذه اللعنة من حين لآخر، مما يدلل على أن فكرة التخوف على بقاء إسرائيل، لم تغادر عقلية المنظومة الإسرائيلية.
لذلك فأنا ومن خلال هذا المنبر، أعلن عن مخاوفي الكبيرة من أن يكون ذلك المقترح التشريعي الذي تنوي حكومة أخنوش تمريره، بداية لتنفيذ مخطط “خطة المغرب” الذي تحدثنا عنه. وهو ما يجعل اليهود يعتلون أعلى المناصب في الدولة. وقد نتفاجأ في يوم من الأيام أن يتربع أحد أبناء النتن ياهو، أو بتسلإيل سموتريش أو إيتمار بن غفير أو أحد أحفادهم على كرسي رئيس الحكومة المغربية، عبر صناديق الاقتراع. لا أدري إن كانت هذه الحكومة على علم بأن القانون المغربي يجرد كل من أعلن عن تخليه عن الجنسية المغربية منها، أو الذي يؤدي مهمة أو يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي إذا كان شغل هذه المهمة أو الوظيفة يتعارض مع المصلحة الوطنية. وهو ما ينطبق على اليهود “المغاربة” الذين تخلوا عن جنسيتهم المغربية عندما هاجروا إلى فلسطين لاحتلالها، وأصبحوا بعد ذلك يؤدون مهام في جيش الاحتلال الصهيوني. ومهما يكن – وسواء أكانت تدري حكومتنا أم لا تدري- فالشعب المغربي لن يقبل بتمرير هذا الملتمس المكشوف الذي يهدف إلى صهينة المغرب، عبر منح الجنسية المغربية لإسرائيليين مشاركين في الجرائم المرتكبة في غزة ولبنان. وكما انتفض المغاربة ضد التطبيع فإنهم سينتفضون أيضا لإسقاط هذا الملتمس المشبوه.
فلاش: خلال زيارتي الأخيرة لأرض الوطن كان لي شرف الحضور والمشاركة مع إخواني المغاربة في إحياء الذكرى الأولى لاندلاع معركة طوفان الأقصى المجيدة، والتي جرت فعاليتها يوم الأحد 6 أكتوبر بالعاصمة المغربية الرباط. وقد أبهرني منظر المغاربة شبابا ونساء ورجالا وشيوخا، وهم يتوشحون بالكوفية الفلسطينية، ويعانقون أعلام الحبيبة فلسطين، وقد أتوا من مختلف مدن البلاد، لتجديد تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ومساندتهم للمقاومة، وتأكيد تشبثهم برفض عدوان الاحتلال الإسرائيلي وإصرارهم على رفض التطبيع المشؤوم.
ولا عجب في ذلك ففلسطين تحظى بمكانة عظيمة في نفوس المغاربة، وهي المكانة التي ورثها المغاربة أبا عن جد، حيث كان لأجدادهم شرف المشاركة في تحرير القدس تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين. المغاربة لن يتنازلوا، ولن يسمحوا لأيّ كان -مهما علا منصبه- أن يدنس تاريخ أجدادهم، الذين قدّموا أرواحهم فداء للقدس، سواء بتطبيع العلاقات مع الصهاينة المجرمين، أو من خلال تمرير ملتمس تجنيس اليهود “المغاربة” وأبناءهم وأحفادهم، والذي يذكرني شخصيا بوعد بلفور المشؤوم.
ولقد عبّر المغاربة، في ذلك اليوم، من خلال رفع شعارات قوية، عن استعدادهم التام لتلبية نداء فلسطين، والمشاركة في تحريرها وتطهيرها من اليهود الغاصبين، كما فعل أجدادُهم، من قبلُ.