فؤاد السعدي .. مؤامرة تحاكي معرض الدولي للفلاحة بمكناس.. بداية النهاية
بقلم : ذ. فؤاد السعدي
تأبى مكناس أن تتخلص من عباءة التهميش والإقصاء، وتصر على أن تظل مدينة بدون مقومات التمدن، مدينة بئيسة ترتسم على محياها المثخن جراح تنمية مؤجلة. فواقع الحال يغني عن السؤال، والمشاريع والبرامج التي اعتقد كثيرون أنها ستغير وجه المدينة المثخم بنذوب العشوائية والعبث، تلاشى بعضها، وتحول البعض الآخر إلى أحلام تكسرت على حيطان فوضى التدبير والتسيير، معلنة بذلك عن بداية مسلسل اليأس والاحباط.
فصورة العاصمة الإسماعيلية بالأمس تختلف كثيرا عن صورتها اليوم، فلا صوت يعلو على صوت الإنتهازية والمصالح الذاتية الضيقة. هكذا هي مكناس وهذا هو واقعها المألم للأسف الشديد. مدينة تخلف التطور عنها، مدينة حكم عليها بحصار غير مفهوم من طرف الأعيان والمنتخبين ومسؤولي الإدارة لتتلاشى بذلك كل الآمال والأحلام في بناء حاضرة تتوفر فيها مواصفات التمدن، وتتحول إلى قرية كبيرة، تشهد على عبث الساهرين على شأنها المحلي.
لقد أدى الوضع المتأزم الذي تعيشه مكناس اليوم إلى انهيار ما تبقى من القيم والمبادئ، وأصبحت الانتهازية والوصولية وحب المكاسب والمناصب السمة الطاغية على ذوي القرار. فمن المسؤول على كل ما يقع لهذه المدينة الموؤودة؟ من المسؤول عن هذا الواقع المزري الذي يحاول البعض تزيينه بمساحيق الكذب والتسويف من خلال تسويق الوهم لفئة عريضة من المكناسيين؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات يقتضي نوعا من الموضوعية والكثير من الجرأة والشجاعة في محاولة منا إلى طرق أبواب غُرف موصدة تعود أربابها العبث بمصالح العباد دون أن تطالهم سهام المسائلة، ودون أدنى مبادرة لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فيما يتعلق بتردي وضعية المدينة خصوصا وأن هؤلاء الإنتهازيون غالبا ما يسعون إلى تزيين الواقع بما يخدم مصالحهم الشخصية، ولا يكترثون، ولا يتأثرون مطلقا بمصطلحات الكرامة والإنسانية، بل ينظرون إليها باعتبارها أمورا ليست ذات قيمة أو أهمية. وهو ما يحتاج إلى مواجهة حقيقية من كافة المكناسيين لفضحهم وكشف مؤامراتهم الدنيئة.
ولعل أولى المؤامرات، سعيهم الحثيث لوءد كل مبادرة خلاقة تعيد التوهج والإشعاع لمدينة مكناس، وإبادة كل ما من شأنه أن يعيدها الى صولتها ومجدها، فهم يعتقدون أن تنمية المدينة يعني وضعهم تحت دائرة الضوء. وقد ظهر هذا جليا منذ الاستعدادات الجارية لانطلاق فعاليات المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 15 وربما قبله بكثير، وكيف حاول بعض ضعاف النفوس تبخيس هذا العمل الجبار ومحاولة النيل من هذه التجربة الرائدة إفريقيا ودوليا، فبقدر ما أغاظهم نجاح المعرض وتألقه دورة بعد أخرى، بقدر ما أغاظهم إرتباط هذا النجاح بمدينة مكناس، فبدؤوا في رسم خطط ترحيله من مكان مولده نحو جهة سوس ماسة درعة تحت مبرر أنها الجهة الرائدة فلاحيا على الصعيد الوطني، وأكثر جهة واعدة للاستثمار الفلاحي بالنظر الى المقومات الطبيعية التي تزخر بها، في حين أن الحقيقة هو أن وزير الفلاحة والصيد البحري أنذاك كان يرغب في الاستفراد بهذه التظاهرة الدولية إداريا وجلبها الى منطقته ليس إلا. مؤشرات عدة تؤكد حقيقة هذا المعطى وهي أولا رفضه تمويل انشاء معرض دائم للفلاحة بالمدينة، وسعيه الحثيث وهو على رأس الوزارة الى خلق مجموعة من المعارض الموضوعاتية والملتقيات الفلاحية في مناطق مختلفة من المملكة في محاولة منه لإضعاف المعرض الدولي للفلاحة بمكناس وتفريغه من محتواه وجعله دون جدوى، وها هو اليوم عبر رجاله ماض في نسج خيوط المكائد البئيسة والمكشوفة، وهو ما سنعود إليه بالتفصيل في مقال لاحق.
من جهة أخرى كانت لزيارة وزير الفلاحة والصيد البحري والوفد المرافق له للاطلاع على آخر الاستعدادات النسخة 15 من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس والوقوف على الحالة المتردية لمدينة الوقع الجلال خصوصا بعدما عاينوا الوضعية المزرية للمدينة التي كان من المفروض أن تكون في أبهى حلتها وهي تستقبل ضيوف هذه التظاهرة الرفيعة المستوى والمتميزة تنظيميا. لقد كشف المعرض الدولي للفلاحة بما لا يدع مجالا للشك عورات مسؤوليين محليين وعلى رأسهم عامل عمالة مكناس وقبله والي جهة فاس مكناس، وفضح تدبيرهم السيئ لشؤون المدينة والجهة على السواء. كيف سيكون رأي زوار المعرض الدولي للفلاحة عندما يعاينون الفارق الشاسع بين تظاهرة تتطور ومدينة تتدهور، بين ملتقى يرقى ومدينة تنتكس. ليبقى السؤال المطروح، ألم يكن والي الجهة وعامل عمالة مكناس يعلمان بموعد انطلاق فعاليات التظاهرة الدولية حتى يستنفرا مصالحهما في آخر لحظة؟ ألا يعد هذا الاستنفار ضحكا على ذقون المكناسيين واستغباء لعقولهم؟ لماذا لم يحركا ساكنا عندما قرر مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس إفراغ صهريج السواني على بعد شهور قليلة من موعد افتتاح المعرض والكل يعي جيدا قيمة هذه المعلمة التاريخية بالنسبة لموقع التظاهرة، فجلالة الملك ما أصدر أوامرة السامية بإقامة هذا الملتقى في تلك المنطقة إلا لغاية يعلمها جلالته جيدا. ويأتي في الأخير مسؤول وكالة ويقرر بجرة قلم مخالفة التعليمات الملكية السامية، فهذا ما لا يمكن تقبله، بل وجاز فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة خلفيات هذا القرار الأرعن، فهل يوجد أكثر من هذا عبث؟ وهل من الممكن أن نعتبر ما يحدث جزء من مؤامرة ترحيل المعرض عن مدينة مكناس؟
وما يقال عن المسؤولين الإداريين يقال كذلك عن المنتخبين، والجميع يعلم وضع الجماعة المزري، وكيف تخلفت هي الأخرى عن هذا الموعد السنوي الهام. أهي صدفة أن يجتمع الكل لإقبار تظاهرة تعتبر الوجهة المشرقة لمدينة مظلمة؟ وتبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، فهل سيكون المعرض الدولي للفلاحة بمكناس في نسخته 15 نقطة نهاية مسلسل الانتظارات وبداية مرحلة العصف برؤوس قد أينعت وحان موعد قطافها…