الأستاذ إدريس رحاوي

في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، يبقى الحقل الديني أحد المجالات التي تحتاج إلى مراجعة عميقة لأساليب تواصلها مع الجمهور، ليس فقط من حيث المحتوى، ولكن أيضاً من حيث الشكل وطريقة التقديم. فالتواصل لم يعد مجرد نقل معلومة، بل أصبح فناً قائماً بذاته، يعتمد على عناصر متعددة، أهمها الثقافة البصرية التي باتت تلعب دوراً حاسماً في مدى تأثير الخطاب الديني ووصوله إلى الأجيال الجديدة.
ورغم الأهمية الكبرى للرسالة الدينية، فإن الوسائل التي يتم استخدامها لتوصيلها لا تزال في كثير من الأحيان تقليدية، تفتقد للجاذبية التي تجعلها قادرة على المنافسة في فضاء رقمي مزدحم بالمحتويات المتنوعة. فالمحتوى الديني، على أهميته، لا يمكن أن يحقق التأثير المطلوب إذا ظل محصوراً في أساليب تقديم قديمة لا تراعي التغيرات التي طرأت على وسائل التلقي والاستقبال. الصورة اليوم لم تعد مجرد عنصر مكمل، بل أصبحت وسيلة قائمة بذاتها، قادرة على التأثير بشكل يفوق أحياناً الكلمة المكتوبة أو المسموعة.
تُطرح هنا إشكالية أساسية تتعلق بمحدودية الوعي بأهمية الثقافة البصرية في مجال التواصل الديني، حيث لا يزال الكثيرون ينظرون إلى الشكل على أنه مجرد تفصيل جانبي، بينما تثبت التجارب أن قوة التأثير تكمن في المزج بين المحتوى القوي والتقديم الجذاب. ويكفي أن نلاحظ كيف أن بعض الخطابات، رغم ضعف مضمونها، تنجح في استقطاب أعداد هائلة من المتابعين بسبب جودتها البصرية، بينما يظل المحتوى الديني، رغم عمقه، محصوراً في نطاق محدود بسبب ضعف أساليب تقديمه.
النموذج المغربي للتدين في أوروبا مثال واضح على هذا التحدي، حيث يملك من الخصوصية والتوازن ما يجعله نموذجاً يحتذى في الاندماج الإيجابي دون التفريط في الهوية، ومع ذلك، يعاني هذا النموذج كثيراً من جراء الفشل في النهوض به بصرياً وجمالياً. فبسبب ضعف الأدوات البصرية والابتكار في وسائل التواصل، لم يتمكن هذا النموذج من تحقيق المراتب العليا التي يستحقها، كما لم يستطع جذب الشباب المغاربة في أوروبا، الذين يجدون أنفسهم أمام بدائل أخرى، قد تكون متطرفة أو دخيلة، تقدم نفسها بأساليب أكثر إقناعاً وتأثيراً.
إن غياب رؤية واضحة لتطوير الخطاب البصري والتواصلي لدى المسؤولين عن الشأن الديني في أوروبا جعلهم يعيشون على أطلال تواصلية قديمة، غير مدركين أن العالم تغير، وأن الريادة اليوم ليست لمن يملك الحق فحسب، بل لمن يحسن تقديمه بأساليب جذابة ومؤثرة. فالتواصل الحقيقي في زمن الصورة والفيديو والإنتاج البصري الرفيع لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة ملحة لمن يريد أن يحجز له مكانة في المشهد العام.
ما بناه الأجداد من حضور ديني متزن في أوروبا قد يكون مهدداً إذا استمر التعامل مع التواصل بنفس العقلية التقليدية التي لا تواكب العصر. فالشباب المغربي في أوروبا يحتاج إلى خطاب ديني متجدد، يصل إليهم بأسلوب يناسب ثقافتهم البصرية والإعلامية، ويعتمد على المعايير التأثيرية الحديثة التي تعكس جوهر الرسائل الحميدة للإسلام، القائم على الحكمة والتجديد والانفتاح.
إذا كان الإسلام في جوهره دين الجمال والتناسق، فإن من واجب القائمين على شؤونه أن يعكسوا هذه القيم في طريقة تقديمهم للخطاب الديني. فالاهتمام بالثقافة البصرية ليس ترفاً، بل هو جزء من التطوير الضروري الذي يجب أن يواكب العصر، حتى تظل الرسالة الدينية حاضرة بقوة، لا فقط في مضمونها، ولكن أيضاً في طريقة وصولها إلى الناس وتأثيرها فيهم.