![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/image_editor_output_image1119464004-17389771634391298062086365399513.jpg)
![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/image_editor_output_image1640527876-17389772402586034236808150394635.jpg)
في مشهد لم يكن ينقصه سوى الطبول والمباخر، خرج مستشار جماعي بمدينة أصيلة عن النص السياسي المعتاد، ليحول جلسة رسمية إلى طقس من طقوس الولاء الأعمى، متضرعًا إلى الله أن “ينقص من عمره ليزيد في عمر” رئيس المجلس محمد بن عيسى، وكأن أصيلة لن تستمر في الوجود إلا في حضرة هذا الرجل ووجوده على رأس مجلسها.
تصريح هذا المستشار، الذي كان يمكن أن يكون مجرد زلة لسان عابرة، يكشف عن ظاهرة عميقة ومستفحلة في المشهد السياسي المغربي ألا وهي التقديس السياسي، حيث يصبح الزعيم أو المسؤول شخصية لا تُمس، وتتم معاملته كما لو كان معصومًا من الخطأ، فيتحول المنتخبون من حوله إلى مجرد أتباع يتسابقون في التعبير عن ولائهم بدل الدفاع عن مصالح المواطنين.
أصيلة، التي كانت يومًا ما مدينة للفكر والثقافة، أصبحت اليوم عنوانا صارخًا للانحطاط في الممارسة السياسية، حيث يتم اختزال دور المنتخبين في التطبيل و”التبنديق” والتصفيق للرئيس، بدل مناقشة القضايا التي تمس حياة المواطنين، وهو ما يفرض علينا طرح السؤال، كيف يمكن تفسير أن مستشارًا جماعيًا، انتُخب ليمثل الساكنة، يتنازل عن دوره الترافعي ليقدم “العمر قربانًا” لرئيس مجلسه؟ أليس هذا استسلامًا سياسيًا يضرب مبدأ التداول الديمقراطي في مقتل؟
والأدهى والأضحل أن هذه الحادثة لم تكن استثناءً، بل هي جزء من ثقافة سياسية سائدة في بعض الجماعات الترابية، حيث يصبح الرئيس “أب الأمة المحلية”، لا يمكن معارضته أو مساءلته، بل يجب فقط خدمته وتقديسه، وهنا يكمن الخطر الحقيقي، وهو عندما يتحول المنتخب من مدافع عن حقوق المواطنين إلى مجرد تابع في قطيع سياسي.
ما حدث خلال أشغال الدورة العادية امجلس جماعة أصيلة ليس مجرد “تصرف فردي”، بل هو عرض لمرض أعمق ينخر الديمقراطية المحلية بالمغرب، حيث تصبح الجماعات الترابية مجرد إقطاعيات مسيرة من طرف نخب تعتقد أنها فوق المحاسبة، مستفيدة من ثقافة الولاء الأعمى التي تجعل المنتخبين مجرد أدوات لخدمة مصالح الرئيس بدل الساكنة.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح هو؛ هل يمكن أن تستمر مدينة في التقدم والتطور إذا كان منتخبها مستعدًا للتضحية بعمره من أجل رئيسه بدل أن يضحي من أجل مدينته؟ هذا المشهد العبثي يجب أن يكون جرس إنذار للمواطنين، حتى لا يقعوا مجددًا في فخ انتخاب “عبدة المناصب” بدل ممثلي المواطنيين الحقيقيين.
اليوم، على أهل أصيلة أن يطرحوا السؤال الصعب، هل يريدون منتخبين حقيقيين يدافعون عن مصالحهم، أم أنهم راضون بأن يكون مجلسهم مجرد ساحة لطقوس الولاء؟ ما حدث في هذه الدورة ليس مجرد حادث عرضي، بل هو تجسيد لطريقة تفكير جزء من النخبة السياسية التي ترى في نفسها “خدام الرئيس” بدل “خدام المدينة”.
وبالتالي إذا لم يتحرك الرأي العام المحلي والوطني لوضع حد لهذه الظواهر، فسنرى قريبًا مستشارين يقسمون بولائهم للرئيس بدل القسم على احترام الدستور، وسنجد أن جلسات المجالس المنتخبة قد تحولت إلى حلقات من “الذكر السياسي” بدل أن تكون فضاءً لصناعة القرار المحلي.
أصيلة اليوم، ليست في حاجة إلى من “ينقص من عمره” من أجل رئيسها، بل تحتاج إلى من يُكرّس عمره لخدمة المدينة وساكنتها.