
الصحافي فؤاد السعدي

في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة نقص أطباء التخدير والإنعاش بمستشفيات مكناس، لدرجة صار هذا النقص يهدد حياة المرضى من خلال توقف العمليات الجراحية الأساسية، يظل نواب المدينة بمجلس النواب غائبين عن الساحة، سواء عبر مداخلات جادة أو تحركات فاعلة. هذه الأزمة التي تكاد تُوقف العمل بكل من مستشفى محمد الخامس، ومولاي إسماعيل، وسيدي سعيد، ليست مجرد مسألة صحية عابرة، بل هي قضية مصيرية تؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين، بل وحياتهم.
ففي الوقت الذي تتفاقم فيه هذه الأزمة الصحية وتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، كانت النائبة سميرة قصيور الوحيدة التي تفاعلت مع الموقف، حيث تقدمت بأسئلة مكتوبة إلى وزارة الصحة للضغط من أجل إيجاد حلول عاجلة. ومع ذلك، لم نلاحظ أي تحرك جاد من باقي نواب المدينة، وعلى رأسهم نواب التحالف الحكومي، الذين يبدو أنهم لا يرون في هذه القضية ما يستحق الاهتمام. فثلاثة من هؤلاء النواب لا يظهرون إلا في المناسبات الإعلامية أو من خلال نشر صورهم بالبرلمان على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الترافع أو اتخاذ خطوات ملموسة لحل أزمة صحية تهدد حياة المواطنين.
وحتى عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، الذي يعتبر من أشرس نواب المعارضة بمجلس النواب، غاب عن هذا الملف بشكل كامل. فصاحب المداخلات القوية ونقط نظام المثيرة للجدل في القضايا الوطنية، لم نشهد له أي التفاتة فعلية في موضوع يهدد حياة الآلاف ممن بوؤوه مقعدا يستأسد من خلاله على الحكومة ورئيسها. بوانو، الذي اعتاد على استعراض عضلاته في قبة البرلمان، لم يكلف نفسه عناء الترافع عن دائرته وأهلها وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي، أليس غريبا أن يغيب صوت الرجل في قضية تخص سكان مكناس الذين منحوه أصواتهم؟
من الواضح أن هؤلاء النواب، وللأسف، لم يدركوا بعد أن البرلمان ليس مجرد منصة لعرض الخطابات أو التسلل إلى وسائل الإعلام، بل هو مؤسسة أساسية للدفاع عن المصلحة العامة. فالتكوين البرلماني الحقيقي لا يكمن في الظهور على الشاشات، بل في التفاعل الجاد مع قضايا المواطنين، وخاصة تلك التي تهدد حياتهم بشكل مباشر. وفي الوقت الذي تتطلب فيه الأزمة الصحية في مكناس تحركًا عاجلاً وفوريًا من جميع الأطراف، نجد أن نواب المدينة، بمن فيهم أولئك المنتمون إلى التحالف الحكومي، يظلون في غياب تام عن واجبهم، وكأن ما يجري في مستشفيات مدينتهم لا يعنيهم في شيء.
اليوم، العبرة لا تكمن في التصريحات الإعلامية أو التحركات الموسمية، بل في القدرة على التأثير الفعلي وحل القضايا الجوهرية التي تهم المواطن بشكل مباشر. وبالتالي إذا كان نواب مكناس عاجزين عن تقديم حلول عملية أو حتى رفع أصواتهم لحل أزمة صحية تهدد حياة آلاف المواطنين، فما الفائدة من وجودهم بالبرلمان إذن؟ هل من المقبول أن يتلقى هؤلاء النواب تعويضات وامتيازات سخية ويشغلون مقاعدهم البرلمانية بينما يغضون الطرف عن معاناة سكان دائرتهم؟ وأين هي تلك الوعود التي قطعوها خلال الاستحقاقات الإنتخابية؟ هل أصبح البرلمان بالنسبة لهم مجرد وسيلة للظهور الإعلامي والتسلق السياسي دون أن يتحملوا أدنى مسؤولية تجاه قضايا المدينة وأهلها؟
ما يحدث اليوم بمكناس ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل هو بمثابة جرس إنذار يفضح غياب الدور الفعلي للنواب في الدفاع عن مصالح المواطنين. ففي وقت تتفاقم فيه معاناة المكناسيين، يظل النواب في غياب تام وكأن حياة الناس ليست ضمن أولوياتهم. والأخطر من ذلك هو أن هذا الوضع قد يستمر ما دام المواطنون لا يعون ضرورة مراجعة حساباتهم عند اختيار ممثليهم بالبرلمان. اليوم حان الوقت لكي يدرك المكناسيون أن أصواتهم يجب أن تذهب إلى من يستحقها فعلاً، وإلى من يتولى المسؤولية في اللحظات الصعبة، لا إلى من يختبئ وراء الأضواء الإعلامية ويغيب عن مشهد الأزمات.