الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
كلما كتبت مقالة أنتقد فيها الفساد والمفسدين في المغرب، خرج من يتهمني بالعدمية، وتضخيم الأمور، وأن كتاباتي مليئة بالمزايدات والإشاعات، وأنني لا أرى حقيقة المغرب الذي تقدّم خطوات إلى الأمام وأصبح من البلدان التي يُشار إليها بالبنان.
أنا لست معارضا سياسيا، أنا مواطن مغربي يحب وطنه حتى النخاع. نعم أحب وطني وأعشقه، لأنه أعطاني الهوية، أحب وطني وأعشقه لأنه موطن الأهل والأحباب، أحب وطني وأعشقه لأنه بالنسبة إلي الماضي والحاضر والمستقبل، أحب وطني وأعشقه لان لديه شعب عظيم يؤمن بالقناعة ويعيش عليها، شعب متمسك بأسرته وعاداته وتقاليده. لكنني أحلم -ومن حقي أن أحلم- بوطن جميل ينعم فيه الجميع بالكرامة والمساواة، والرخاء والازدهار، والأمن الأمان، والاستقلال الاقتصادي، والحرية والعدل القضائي.
أنني كلما رأيتُ بوادر فساد في قطاع أو إدارة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، بادرت بلا تردد أو خوف من لائم، إلى الكتابة والتنبيه وفضح المسؤولين عن ذلك الفساد. من هذا المنطلق كانت كتاباتي عبارة عن انتقادات مباشرة وتنبيهات لمن يهمهم الأمر، خوفا على مستقبل الوطن. وانا لست بدعا في ذلك، أو الوحيد في توجيه الانتقادات للأوضاع الداخلية البلاد، فحتى الملك محمد السادس متعه الله بالصحة والعافية، وجّه في أكثر من مناسبة وخطاب، انتقادات لاذعة للمؤسسات الإدارية والنخبة السياسية، ودعا إلى تطبيق الدستور وآليات المحاسبة على كافة المسؤولين بلا استثناء وفي جميع مناطق المغرب.
كما أكّد خلال ذلك، أنه يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأنه يجب إقالة أي مسؤول إذا ثبت في حقه أي إخلال، كما أكد أنه غير متشائم، ولكنه يقول الحقيقة وإن كانت قاسية. بل إن الملك في إحدى خطبه انتقد بشدة تعاطي العمال والولاة وكل السلطات مع هموم المواطنين. فهل يمكن أن نصف المسؤول الأعلى في البلاد بأنه عدمي وسوداوي؟ وفي أحيان كثيرة، عندما يقف الملك على اختلالات في بعض القطاعات فإنه يقوم بفتح اوراش الاصلاح في كل القطاعات كإصلاح الإدارة، واصلاح منظومة التعليم، وإصلاح القضاء، وإرساء أركان الدولة الاجتماعية، وسن قوانين الاستثمار والمبادرة الحرة، فماذا يعني هذا؟ يعني أن القوانين في المغرب راقية، وأن الدستور ممتاز لكن العيب في الذين أدوا القسم ولم يوفوا بقسمهم.
وهذا ما أقوم به، فقد كتبتُ عن المفسدين من ذوي النفوس الضعيفة، وسلّطت الضوء في مقالات متنوعة، على ملفات الفساد والجرائم المالية التي تستنزف الناتج الداخلي الخام، بسبب الرشوة والزبونية والتلاعب في الصفقات العمومية، وطالبنا من هذا المنبر، بشنّ حملات تطهير ضد الفساد والمفسدين، وتقديمهم إلى العدالة. وكتبت عن بعض العمال والولاة ودورهم في استفحال الفساد، وعن تفشي الرشوة بشكل كبير في صفوف رجال السلطة، الذين لا يدبرون شؤون المواطنين طبقا لما يتضمنه القانون المغربي. عندما كنتُ أكتب لأُعري واقع الفساد الذي انتشر كالسرطان في المغرب، فلأنني أحلم بوطن جميل خالٍ من الفساد، والرشوة والزبونية، وطن يسعُ للجميع، ويحتضن الجميع، مهما اختلفت وجهاتُ النظرِ، وتعددت الانتماءاتُ، ومهما يكُنِ الرأيُ والتباينُ فيه بين أهله، وطن لا يحقّ لأي أحدٍ، أن يتخذه ضيعة يفعل فيها ما يشاء. فهل أكون قد أخطأت في حق الوطن؟ وكتبت كذلك عن مغاربة العالم، وعن العراقيل المقصودة التي تواجههم في سبيل المساهمة في تنمية وطنهم والنهوض به، ودعوت إلى محاربة أصحاب تلك العراقيل من أجل القضاء عليها، كي يتمكن مغاربة العالم من حقوقهم في مواطنة كاملة.
فهل عندما أقول بأن مغاربة العالم يحبون وطنهم الأم ولا يقبلون عنه بديلا، وأنهم يحبون أن يروا اقتصاد وطنهم منتعشا، وبنياته التحتية جيدة، وأنهم يسعدون عندما يحسون بالأمن والأمان على ممتلكاتهم وأهلهم وشعائرهم الدينية، وأنهم يبتهجون عندما يعاملون معاملة لطيفة من قبل المسؤولين في الإدارة المغربية. فهل عندما أقول هذا أكون قد أخطأت في حق الوطن؟
كلّا وكلّا، أنا لم أخطئ في حق الوطن، أنا أحببت الوطن حبا خالصا، وليس ادعاء للحصول على مطامع شخصية، أو سبيلا لنيل أهداف ذاتية، لكن حبنا للوطن لا يعني السكوت على الظلم والفساد، كما أن المطالبة بالحقوق ليست مؤامرة أو انفصالا عن الوطن وخيانته، وأن التطبيل أيضا لا يعني الوفاء والإخلاص للوطن، فنحن نحبه من دون رفع شعارات جوفاء التي ظاهرها الولاء والحب وباطنها الكيد للوطن. لذلك من حقي أن أحلم وأن أبوح بحبي وعشقي للوطن الخالد في نفسي ! إن حب الوطن أمر فطري وغريزي متجذر في النفوس، ليس من السهل تجاهله أو محوه. ودور هذا الحب هو أن يكون حافزاً إيجابياً يحث على التضحية في سبيل الوطن من أجل عزته وضمان مستقبل أفضل له وللأجيال المتعاقبة، ولولا هذا الشعور لما تحررت الأوطان من ربقة الاستعمار الغربي، ولبقيت جنوب أفريقيا ترزح تحت نظام الأبارتيد العنصري، ولبقي الشعب الفيتنامي تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، ولولاه لما أجبرت الشعوب العربية فرنسا وبريطانيا الاستعماريتين على الخروج من أراضيها، وهو نفس الشعور الذي تتحلى به كل الشعوب التواقة إلى الحرية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني المقاوم. هذا الشعور وحده قادر على تزكية حماس إخواننا في فلسطين نحو تحرير وطنهم من قبضة الاحتلال الصهيوني، ولعل ذلك اليوم الذي سيحمل فيه الفلسطينيون مشاعل النصر ويرفعون فيه رايات الحرية بات قريبا. وما ذلك على الله بعزيز. فلاش: في سنة 2017 عاد أحد مغاربة العالم، من أرض المهجر والتي قضى بها أكثر من 30 سنة، عاد إلى أرض الوطن، وقرر استثمار جزء من أمواله، في إحدى عمالات الجهة الشرقية من المغرب، لكنه لم يدر بخلده أنه سيدخل في نفق طويل ومتشعّب من الإجراءات الإدارية الغريبة التي كانت بمثابة عراقيل أمامه، قبل أن يكتشف أن كل هذه السنوات من المساطر الإدارية لم تكن كافية، لإنجاح مشروعه الذي لا يزال مجرد حبر على ورق، بل إنه لم يتوصل حتى بوثيقة تثبت إيداع طلبه في سجل الواردات على العمالة.
لكنه أخبرني قبل كتابة هذه المقالة، بأن معاملة المسؤولين في تلك العمالة قد تحسنت، وذلك بعد تعيين عامل جديد على الإقليم وأنه قد تم ضبط بعض السلوكات غير اللائقه والمنافية للقانون. فهل سيصلح السيد العامل الجديد ما أفسده سلفه؟ هذا ما نأمله، ويأمله ساكنة الإقليم.