![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/fc74a8a516de20dcb580caecdf11585850-660x3306542086032905190361-1.jpg)
الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/0c269724bd97ffbadce3e40e3a6e9e1d_xl6464994290655905233.jpg)
في مقال “استشرافي، نشره ألفريد ماكوي المؤرخ الأمريكي المعروف بموقع “توم ديسباتش”، قال فيه إنّ “زوال الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية قد يأتي بسرعة أكبر كثيرًا مما يتصوره أيّ شخص”، ثم أضاف بعد ذلك أنّ “التقييم الواقعي للاتجاهات المحلية والعالمية يشير إلى أنّه بحلول عام 2025، أي بعد خمسة عشر عامًا فقط من الآن، قد ينتهي كلّ شيء باستثناء الصراخ” وفي مقال لاحق كتبه في “The Nation” يوم 18 يناير/ كانون الثاني 2024، قرر ماكوي بشكل قاطع “أنّ أربع سنوات أخرى من دبلوماسية ترامب “أميركا أولًا” سوف تدمر القوة العالمية المتدهورة بالفعل للبلاد” لذلك كنتُ من الذين يتمنّون فوز ترامب، ليس حبّا فيه ولكن لأن ترامب سيكون وبالا على أمريكا.
من يتابع ترامب منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية (60) يرى ويتأكد من نبوءة ماكوي، التي ستتحقق على يد هذا الرئيس، فمنذ اليوم الأول أعلن اتخاذه مجموعة من القرارات غير المسبوقة التي قد تهدد الاستقرار العالمي، منها ضم أراضٍ جديدة إلى بلاده أمريكا، وفرض رسوم جمركية قاسية على بعض الدول، إلى ابتزاز الحلفاء لدفع مبالغ ضخمة مقابل الحماية العسكرية، إلى الهجوم على المؤسسات الدولية والمحكمة الجنائية، إلى غير ذلك من القرارات الهوجاء التي تعكس شخصيته المضطربة بسبب مرض جنون العظمة، ومن القرارات المجنونة التي عقد العزم على تنفيذها مقترح الاستيلاء على غزة.
ففي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال ترامب إن الولايات المتحدة “ستسيطر” على غزة و”ستمتلكها”، على أن تعيد توطين سكانها. واقترح تطوير المنطقة، التي تدمرت بسبب الحرب، إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. حيث دعا بصيغة الأمر، مصر والأردن إلى استيعاب اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، وبزعم أن القطاع في حالة فوضى، وأن أهله لا يستطيعون العيش فيه.
لا أدري إن كان ترامب حين قرر الاستيلاء على غزة قد تناول دواءه الخاص بالصرع أم نسي ذلك، لأن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن شخص فاقد لتوازنه العقلي والوجداني. لكن الشيء الأكيد هو أن هذا القرار المجنون لم يلقَ قبولا، حتى من أقرب حلفائه. ولما لقي هذا القرار الأرعن رفضا دوليا واسعا، أعاد هلوسته قائلاً هذه المرة على متن الطائرة الرئاسية إنه لا يزال “ملتزما بشراء غزة وامتلاكها”، وأضاف “ربما يعطي أجزاءً من القطاع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط لبنائه”. وقال إنه سيحوّل غزة إلى موقع جيد للتنمية المستقبلية، وسيهتم بالفلسطينيين ويتأكد “من أنهم لن يُقتلوا”. مضيفا أن “غزة موقع عقاري مميز لا يمكن أن نتركه، سنقوم بإعادة بناء غزة عبر دول ثرية أخرى في الشرق الأوسط”
يبدو أن ترامب مٌصرّ على تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، كما فعل أجداده من قبلُ. فبلمحة بسيطة إلى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية القصير، نجد أن سجلهم في أمريكا مليء بكل أنواع الجرائم وبالخصوص تلك المتعلقة بالتطهير العرقي، حيث منذ أن غزوا أمريكا وقاموا بإبادة أكثر من عشرة ملايين من سكانها الأصليين. ثم احتلوا أرضهم وادّعوا أنهم هم أصحاب الأرض.
واليوم، وبعدما ارتكبت إسرائيل -وبدعم أمريكي- إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، يريد ترامب نهج نفس سيناريو أجداده في تهجير الفلسطينيين، وسرقة أرضهم. والعجيب في الأمر أن الأوروبيين الذين غزوا أمريكا قديما، قد استمدوا كل أخلاق إبادة “الهنود الحمر” من تصورات العبرانيين القدامى ومفاهيمهم في اجتياح أرض كنعان. حيث كانوا يقتلون الهنود وهم على قناعة بأنهم عبرانيون فضّلهم الله على العالمين وأعطاهم تفويضا بقتل الكنعانيين.
ويرى المؤرخون الذين بحثوا في هذه الإبادة (وهي الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني) أنها لم تكن عشوائية أو محض مصادفة، وإنما كانت عملية مقصودة خُطّط لها من قِبَل المستعمرين، حيث يقول كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون، إن القوى الاستعمارية الأوروبية “هدفهم في العالم الجديد كأستراليا ونيوزيلاندا وكثير من المناطق التي يجتاحونها هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها” . لذلك فليس من المستغرب تماما أن تقوم حكومة الولايات المتحدة الأميركية بدعم إسرائيل التي ترتكب المذابح في حق الشعب الفلسطيني لسرقة أرضه. فالمبررات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني هي المبررات نفسها التي استخدمها الغزاة الأوروبيون لسرقة أرض السكان الأصليين لأميركا واستباحتهم وإبادتهم.
ترامب ليست له المؤهلات السياسية ليكون رئيسا لأقوى دولة في العالم، لذلك جثا على ركبتيه أمام الصنم الصهيوني ليقدم القرابين، والوعود بالتمكين الكامل للكيان الصهيوني في فلسطين، وإنهاء الحق الفلسطيني في أرضه. فخلال ولايته الأولى قدم القدس والجولان قربانا للرضى الصهيوني، واليوم يقدم غزة، وفاء بوعده للوبي الصهيوني الذي دعمه خلال حملته الأخيرة. لكن ما لا يعرفه هذا الجاهل الذي يعتقد ويتوهم بأن العالم صار في قبضته، أن غزة هي الأخرى قد وعدت وجثت على الركب، ليس للمخلوق والأصنام، ولكن لله الواحد القهار الذي خلق كل شيء. فأهل غزة وأهل فلسطين الأحرار جثوا على الركب أمام خالق الكون ووعدوه، فوعدهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أنهم الطائفة الذين ستظل على الدين ظاهرة، لعدوها قاهرة، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”
نعم ستبقى غزة لأهلها، ولن تستطيع أي قوة في العالم أن تقتلعهم من أرضهم مهما كان. وها هي المقاومة تبسط سيطرتها على قطاع غزة بأكمله، وما أسمَوه “اليوم التالي” لم يكن إسرائيلياً كما أرادوا، ولا محكوماً بأنظمة عربية كما خطّطوا، بل ظلَّ، كما أرادته غزة المقاومة، يوماً فلسطينياً. وسيظل فلسطينيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأما وعود ترامب للصهاينة فإلى الجحيم. يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم إلا غرورا.
فلاش: كتب أحد الكتاب اليهود مقالة يعترف فيها بأنه كان يعتقد أن حماس ستركع في الأيام الأولى للحرب، وستأتي لاستجداء وقف إطلاق النار، نظرا للترسانة المتنوعة من الأسلحة الحديثة والمعدات العسكرية المعلنة وغير المعلنة، التي حشدتها إسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة، وفوق ذلك كان الرئيس الأمريكي بنفسه يرأس مجلس الحرب الإسرائيلي من تل أبيب، وفتح مخازن الجيش الأمريكي لتزويد إسرائيل بجسور جوية وبحرية من اليوم الثاني للقتال، وبالمقابل هناك حصار خانق مفروض على غزة منذ عشرين عاماً.. لكن المقاومة وأهل غزة واجهوا كل ذلك بصلابة أربكت كل مستويات جيش الدفاع ودمرت صورة الجيش وقوة الردع التي أرادت إسرائيل ترميمها بعد طوفان الأقصى، ومع أنهم لا يملكون سوى عتاد متواضع مضحك مصنوع محلياً، صمدوا بشكل غريب يستحق الدراسة والتحليل في المدارس العسكرية الشرقية والغربية. ويختم هذا الكاتب اليهودي اعترافه قائلا: “علينا أن نأخذ الدروس والعبر وأن حربنا ضد حماس عليها أن تكون حرب اجتثات وحشية إما نحن أو هم، لأننا إن تهاونا اليوم فسنراهم خلال العقد القادم على أبواب تل أبيب يكبرون .عندها ستكون النهاية”.
ورحم الله القائد أبا إبراهيم يحيى السنوار حين قال له الناس: إن الصهاينة قد جمعوا لكم فاخشوهم حفاظا على أرواحكم، فقال لهم وهل تريدون منا أن نركع؟ قالوا نعم. فقال: من أراد أن يرانا راكعين فليأت في وقت الصلاة.