بقلم : الصحافي أمين بوشعيب- إيطاليا
منذ قديم الزمان والعرب يفتخرون بذكر أبطالهم الفرسان، ويغدقون عليهم من الصفات ما يظهر عظيم التقدير لهم، ويرون من أخبارهم وبطولاتهم لتخليد أسمائهم في أشعارهم بصفات مثالية أقرب ما تكون إلى الكمال، بحكم حضور الشعراء الفعلي لأغلب المعارك وقربهم الشديد من الوقائع، ذلك الذي مكنهم من الوقوف بدقة على تفاصيل الفعل البطولي لاسيما في سياق أشعار الفخر والمديح على وجه التحديد.
ولقد وصلتنا عبر كتب التاريخ والأدب تلك الأشعار والبطولات إما متضمَّنة في ذكر الحوادث وتراجم الرجال أو مفردة لها فصول وكتب خاصة. والأصل فيها هو اعتزاز العرب بأبطالهم والإشادة بإقدامهم عند لقاء العدو وصبرهم على القتال واستبسالهم للموت.
ولا عجب في ذلك من أمّةٍ التي كان الغزو والقتال حدثا يوميا في حياتها، وقد عدّ أبو الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الميداني في كتابه ” مجمع الأمثال ” مائة واثنين وثلاثين يوماً من أيامها في الجاهلية، منها يوم النسار ويوم الجفار ويوم الستار ويوم نخلة ويوم شمطة ويوم الدثنية، وغيرها. وقد عقّب الميداني على ذلك بقوله: ” وهذا الفن (أي معرفة أيام العرب) لا يتقصّاه الإحصاءُ، فاقتصرتُ على ما ذكرتُ “هكذا كانت العرب تعتز بأبطالها وتفخر بأمجادهم …حيث عرفت العرب، منذ القدم، أنهم أصحاب مبدأ في الحياة، لذا وضعوا أمامهم صورة للرجولة الحقّة، وثبتت لتصبح سجية، كما قال ابن خلدون في مقدمته. لذلك كانت البطولة مفخرة للرجال بين أقوامهم والقبائل المجاورة، فقد تطلّبت الحياة التي كانوا يعيشونها أن يكون كلّ عربيّ فارسا مستعدّا للقتال في أي لحظة. وجاء الإسلام ليعزّز هذه القيمة فساعد على تنميتها وأغدق عليها من المكرمات ما يجعل صاحبَها يتسابق لينال رضا الله عز وجلّ أولا ثمّ لينعم بإحدى الحسنيين: النصر أو الاستشهاد.
في عصرنا الحالي تكاد أيام العرب تخلو من الملاحم والبطولات، إلا في أرض فلسطين… فلا يزال هناك في أرض الإسراء والمعراج أبطال يقاومون، يحملون أرواحهم على أكفّهم، ويضعون أصابعهم على الزناد، أيامهم كلها بطولات ينجزونها في كل لحظة وحين، ضد عدوهم الذي اغتصب أرضهم منذ ما يزيد على سبعين سنة…
ولعل من تلك الأيام المجيدة، يوم 7 أكتوبر من سنة 2023 الذي سيبقى الشاهد الأكبر على هذه البطولات النادرة، التي سطرتها المقاومة في فلسطين، وسمّته “طوفان الأقصى” تيمنا بالقبلة الأولى للمسلمين. وعلى الرّغم من كل الأسلحة الفتاكة التي يمتلكها جيش الكيان الصهيوني، وعلى الرّغم من الدعم المادي والاستخباراتي واللوجستي التي تقدمه أمريكا والغرب لهذا الجيش الذي يحتلّ المرتبة الخامسة عشْرة من بين أقوى جيوش العالم، فإنه وقف عاجزا وحائرا أمام هؤلاء الأبطال الأشاوس.
وعلى الرّغم من الإمكانيات البسيطة والمتواضعة التي لدى أبطال المقاومة، وعلى الرّغم من المؤامرات التي تُحاك ضدهم والحصار الذي يُضرب عليهم من قِبَل بعض الحكام العرب، فإنهم حققوا نصرا مبينا على الجيش الإسرائيلي وسحقوا كبريائه المزعوم، وأسقطوا نظرية الجيش الذي لا يقهر، التي روجت لها وسائل الإعلام الصهيونية منذ أن تمكّنت إسرائيل من هزم الجيوش العربية في ستة أيام.
إن المخزون الروحي لأبطالنا الأحرار في أرض فلسطين، والاندفاع الجبار الذي يتواصلون به مع جذور بطولات أجدادهم، لَيَعِدُ بفتوحات عظيمة ستحرّر الأرض والمقدسات من قبضة الصهاينة الغاشمين، والأكيد أن طريق هؤلاء الأبطال مختلف تماما عن طريق كلّ الخانعين والمستسلمين للهزيمة من الحكام العرب، الذين تنازلوا عن القضية وذهبوا يهرولون لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ويضعون يدهم في يده من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
ولعل من غرائب الزمن أن يقوم النتن ياهو رئيس الحكومة الصهيونية، ساعات بعد انتهاء القمة العربية الطارئة التي عقدت في الرياض، السبت الماضي، بتوجيه رسالة مهينة للزعماء العرب “بأنهم سيندمون في حال عدم الالتزام بالصمت حيال الحرب الإسرائيلية على غزة”. قائلا: ” في كلمة مصورة له: ” فيما يتعلق بزعماء الدول العربية القلقين على مستقبلهم ومستقبل المنطقة والشرق الأوسط عليهم التزام الصمت وإدانة حماس”. وكأني بهذا المجرم يهدد ويتوعّد علنيا زعماء العرب ويقول لهم “عليكم التزام الصمت إذا أردتم الحفاظ على عروشكم”.
وبعيدا عن رائحة الجبن والخيانة المنبعثة من هؤلاء الحكام الخونة، فما يفرحنا حقّا ويجعلنا نستبشر خيرا هو أهل فلسطين، وأهل غزة بالخصوص الذين قدموا أطفالهم ونساءهم، وشيوخهم، وأرواحهم ودماءهم وجراحهم فداء لفلسطين والأقصى والقدس الشريف، الذين أسندوا رجال المقاومة واحتضنوهم، فعلى الرغم من العدد الكبير من الشهداء وآلاف الجرحى. وعلى الرغم من القتل والدمار والجوع والعطش، الذي تعرضوا له لم يستسلموا، ولم يضعفوا ولم يهاجروا أرضهم، بل خرجوا يطالبون مجاهدي المقاومة بالاستمرار حتى تحقيق النصر.
وتالله إن دماءكم الزكية الطاهرة يا أهل غزة، لم ولن تذهب سدى، فالنصر آت آت لا محالة، وسوف يدفع الصهاينة ثمن جرائمهم، في القريب العاجل بإذن الله. ويكفيكم فخرا أن دماءكم هاته قد أيقظت الأمة العربية والإسلامية من سباتها، عندما رأوا حكامهم وجيوشهم يقفون عاجزين عن نصرة إخوانهم في فلسطين. وأيقظت شعوب العالم أجمع من غفلتهم، عندما رأوا المجتمع الدولي ودول الغرب المتشدقين بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، يقفون إلى جانب الظالم ويدعمونه بالمال والسلاح بذريعة الدفاع عن النفس.
فما أعظم أهل غزة، ففي كل غارة صهيونية يستشهد من كتب الله له الشهادة، ويخرج من كتبت له الحياة من تحت الركام يرفع شارة النصر!
فلاش: لقد آلمني كثيرا موقف المغرب عندما وقف إلى جانب بعض الدول العربية للحؤول دون تبني قمة الرياض الأخيرة مقترحات جادة تحمل إجراءات ضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي لوقف عدوانه على غزة، حيث ضغطت هذه الدول المتنفذة لصالح استبدال الإجراءات بفقرات باهتة، لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كتبت به. لذلك لا زلت أنادي وأطالب السلطات المغربية بوقف عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وطرد القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط في أقرب وقت، وهذا المطلب هو مطلب الشعب المغربي الذي لا يزال يتظاهر بالآلاف كل يوم إلى غاية تحقيق مطالبه.