في خطوة وصفت بـ”التأهيل الحضري”، أعلنت شركة التنمية المحلية “طنجة موبيليتي” عن إطلاق صفقة جديدة لإعادة تهيئة كورنيش المدينة، وهو المشروع الذي يأتي ضمن التحضيرات لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. لكن خلف هذا العنوان البراق، يطرح سؤال جوهري نفسه بإلحاح وهو، هل فعلاً تحتاج طنجة لإعادة تأهيل كورنيشها؟ أم أن الأمر يتعلق بحلقة جديدة في مسلسل تبذير المال العام تحت غطاء “التهيئة” و”الاستعدادات الكبرى”؟

كما يعرف زوار طنجة وساكنتها فكورنيش طنجة، ما يزال في حالة ممتازة، ولا يعاني لا من تهالك ولا من أعطاب تفرض هذا النوع من التدخل الشامل، الذي يشمل إزالة الأرصفة، وتجديد المسارات، وإعادة التشجير، وتحديث الإنارة، وكل ما يرافق ذلك من “مصاريف تقنية” لا تخلو من مبالغات. فهل نحن أمام مشروع ضروري؟ أم أمام صفقة تثير شكوكا مشروعة حول الجدوى والتوقيت والأولويات؟
فالحديث اليوم عن تطوير الفضاءات العمومية لا يجب أن يكون على حساب الأولويات الحقيقية لساكنة طنجة، التي لا تزال تتخبط في مشاكل النقل، وضعف الخدمات الصحية، والنقص في التجهيزات التحتية بالأحياء الشعبية، وتعثر مشاريع اجتماعية أكثر إلحاحاً، وأن إغراق المدينة في مشاريع “الواجهة” دون حاجة ملموسة، هو تكرار لنمط قديم من التدبير الذي يفضل الزينة على الجوهر، والاستعراض على الفعالية.
ثم إن ربط هذا المشروع بـ”الاستعداد” لكأس إفريقيا وكأس العالم، لا يبرر في نظر كثيرين صرف ميزانيات ضخمة على مجال لا يحتاج ترميماً ولا تحديثاً جذرياً، خاصة في ظل غياب أي تقييم سابق لحالة الكورنيش أو إشراك للمجتمع المدني والمهنيين في تشخيص حقيقي للحاجيات.
ما يحصل اليوم يعيد طرح سؤال الشفافية في تدبير الصفقات، والرقابة على النفقات العمومية، ويدعو إلى مساءلة صريحة للمسؤولين عن هذا القرار “المشبوه”. فمن قرر؟ وعلى أي أساس؟ وهل فعلاً طنجة تحتاج لتغيير كورنيشها؟ أم أن الأمر يتعلق فقط بفرصة أخرى لتدوير الصفقات والاستفادة من اعتمادات ضخمة تحت شعار “التأهيل”؟
في بلد يشكو من ندرة الموارد، ويفرض التقشف على المواطنين، لا يمكن لمثل هذه المبادرات أن تمر مرور الكرام دون نقد ومساءلة، لأن التنمية الحقيقية لا تمر عبر الرخام والإضاءة الجديدة، بل عبر احترام المال العام، والحرص على توجيهه لما يخدم الصالح العام، لا ما يلمع الصور.