بقلم: الصحافي فؤاد السعدي
شكلت عودة إلياس العماري إلى الأضواء مجددا من خلال ظهوره في لقاء صحفي مع موقع “هسبريس”، الحدث الأبرز لدى المهتمين بالشأن السياسي الوطني، وعنوانا رئيسيا لمرحلة جديدة تقطع مع الرتابة والعبث والارتباك في ممارسة الفعل السياسي، حتى أن البعض ربط هذه العودة برغبة الدولة في حلحلة المشهد السياسي العام وتجاوز تبعات “المجزرة” التي خلفتها استحقاقات الثامن من شتنبر وما تلاها.
فيما يرى البعض الآخر أن ظهور العماري في هذا التوقيت بالذات إشارة واضحة على أن الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة جاء من أجل تصحيح ما أفسده خلفه على رأس الحزب، وإنهاء فترة هيمنة تيار وهبي التي اعتبرها المحللون أضعف وأسوء فترة عاشها الحزب منذ تأسيسه. فالبرغم من أن الحزب اليوم يعتبر ثاني قوة سياسية في المغرب من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها خلال الاستحقاقات الأخيرة، إلا أنه فقد بوصلته بمجرد قراره الارتماء في حضن رئيس الحكومة، والتحول من حزب فاعل و مؤثر ورقم صعب في المعادلة السياسية بالمغرب إلى مجرد حزب مفعول فيه أو مضاف إليه لا يملك قرار نفسه بل أصبح الحديقة الخلفية لحزب أخنوش بعدما تم تهجينه وترويض قيادييه.
فبقدر ما شكلت عودة العماري للواجهة من جديد مفاجئة لدى الرأي العام، بقدر ما اعتبر تيار وهبي هذه العودة بمثابة بداية نهاية بسط سيطرتهم على أجهزة “البام”، والقطع مع زمن العبث والعشوائية في التدبير الحزبي الذي طبع مرحلة وهبي ومن يدور في كنفه. وحتى وإن لم تكن نوايا رجوع الأمين السابق للبام واضحة المعالم، إلا أن العارفين يخبايا الأمور متأكدون أنه دائما ما يكون ظهور الرجل أو تواريه عن الأنظار مرتبط بأجندة سياسية معينة، وحدها الأيام القادمة هي الكفيلة بالكشف عن خلفياتها.
قد نفهم توجس قادة الحزب على مستوى المركز من عودة العماري الى الواجهة وخشيتهم من سحب البساط من تحت أقدامهم، غير أن الذي يُستعصى على الفهم موقف قيادات “البام” على مستوى جهة طنجة عندما قرروا مقاطعة حفل افتتاح فعاليات النسخة 17 من مهرجان تويزا أمس الخميس بالمركب الثقافي أحمد بوكماخ على خلفية حضور إلياس العماري، رئيس جهة طنجة -تطوان- الحسيمة الأسبق، بعدما تغيب عن الحضور كل من عبد اللطيف الغلبزوري نائب رئيس جهة طنجة- تطوان -الحسيمة الحالي، ومنير الليموري رئيس المجلس الجماعي لطنجة، وقياديين آخرين من حزب الأصالة والمعاصرة على المستوى الجهوي. فهل من الممكن أن يكون هؤلاء قد تلقوا تعليمات من القيادة المركزية للحزب بمقاطعة الحفل بعدما تأكد حضور العماري؟ فإذا كان وهبي قد صرح بأن العماري صديق ومرحب به في أي وقت، فلماذا عمد هؤلاء الى مقاطعة المهرجان؟ أسئلة وأخرى، الأيام القادمة هي المرهون عليها بالأجابة عنها.
صحيح أن حزب الأصالة والمعاصرة حقق مكاسب عدة على المستوى السياسي بجهة طنجة بحصوله على رئاسة الجماعة والمجلس الأقليمي ومقعد بمجلس النواب وغيرها خلال استحقاقات شتنبر، إلا أن الحصيلة التدبيرية كانت كارثية بكل المقايس خصوصا بالمؤسسات التي يدبرها الحزب، والنموذج جماعة طنجة التي لازالت تتخبط في العبث والارتجال جراء القرارات الفردية والعشوائية الصادرة عن عمدتها. ليتضح بما لا يدع مجالا للشك أن “البام” بجهة طنجة لم يصل الى ما وصل إليه بكفاءات قياداته وحسن تدبيرهم للمرحلة السياسية، بل بالكولسة والضرب في الظهر ونقض العهد، ليكون بذلك هو الرابح الوحيد والأكبر من التحالف الثلاثي، عكس حزب “الأحرار” وحزب “الاستقلال”، والمحصلة بالتالي أن لا وجود لأي علاقة بين الفعل السياسي والالتزام الأخلاقي لا من قريب ولا من بعيد لدى قادة “البام” بطنجة. خصوصا مع ما نعاينه اليوم من أن الفاعل السياسي غير ملتزم بالفعل الأخلاقي، بل بالمصلحة الشخصية أو الحزبية الضيقة المجردة من أي اعتبارات أخلاقية، تبيح له استخدام ما يحلو له من الوسائل لتحقيق أهدافه السياسية، بأي ثمن حتى لو داس بأقدامه على كل القيم والمثل الانسانية. هكذا هي قيادات “البام” الحالية بطنجة، ولعل طريقة تعاملها مع أمينها السابق تظهر بجلاء طينة وأخلاق هؤلاء. وقد صدقت المقولة “لي معندو خير فأهلو ماترجى خير فيه”، فهل هو تأثير الصدمة… يتبع