فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف القضاء والقدر فمنهم من عرفهما مجتمعين، وجعلهما شيئاً واحداً، ومنهم من عرف القضاء تعريفاً مغايراً للقدر فقالوا:
القدر: هو علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل.
والقضاء: هو إيجاد الله للأشياء حسب علمه وإرادته.
وسئل الإمام أحمد عن القدر؟ فقال: القدر: قدرة الرحمن، وقد أخذ هذا من قول الله تعالى:قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154].
وقال الطحاوي : وكل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد.. إلا ما شاء، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.
والإيمان بالقدر يشتمل على أربع مراتب:
1- الإيمان بعلم الله القديم.
2- الإيمان بكتابة ذلك في اللوح المحفوظ.
3- الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة.
4- الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق، وكل ما سواه مخلوق.
هذا ما يحتاج إليه المسلم في عقيدة القضاء والقدر.
أما الخوض في القدر فلا يجوز، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وقال الطحاوي : وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه:لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].
فمن فرغ قلبه من هذه العقيدة فهو في هم وضياع في هذه الدنيا، وفي عذاب مهين في الآخرة، نسأل الله العافية.
والإيمان بالقدر لا يتنافى مع التوكل على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأعرابي: اعقلها وتوكل على الله. وأمر بالتداوي كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة.
وقال ابن القيم : لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، والأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى، والذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج.
هذه العقيدة في القدر والإيمان به هي التي سكبت في قلوب السلف الصالح والمؤمنين بها السكينة، وأفاضت على نفوسهم الطمأنينة، وربتهم على العزة …. فاشتغلوا بما ينفعهم، وانطلقوا لتبليغ دين الله للبشرية.