الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
كم كان منظر رئيس الحكومة المغربية مثيرا للاشمئزاز، وهو يدافع بوقاحة -في جلسة الأسئلة الشهرية بمجلس النواب- عن فوز شركة “أكوا” التي يمتلكها بإحدى الصفقات العمومية.. إنه بلا شك منظر من لا يملك الحجة والبرهان على صدقية كلامه، فكل التبريرات التي قدمها واهية، لا تستند إلى منطق أو إثبات وبعيدة عن الحقيقة، لأن ما حدث يُصنف في إطار تضارب المصالح والاستفادة من المنصب.
وكما هو معلوم حسب قانون الصفقات العمومية، فإن كل من يعمل في المصالح الحكومية أو كان متعاقداً أو متعاوناً معها ويشارك في أي من إجراءات المنافسة على الصفقات العمومية أو المشتريات أو له تأثير، مباشر أو غير مباشر، في إجراءات المنافسات في أي مرحلة من مراحلها، يتعارض مع المصلحة العامة.
عزيز أخنوش في دفاعه عن فوز شركته، قال بأن الصفقات العمومية متاحة للجميع، وأنه لا يمكن إقصاء أي مجموعة أو شركة من الاستثمار، وأن شركته عرضت أحسن الأثمان، لأن كما قال: “الكل له الحق في المشاركة بالاستثمارات في البلاد”. مشددا في نفس الوقت على عدم تغليط الرأي العام، والترويج لكون حقوق الاستغلال بمحطة تصفية مياه البحر بالدار البيضاء تصل إلى 30 سنة، مؤكدا أن هذه المدة “التي يتحدث عنها البعض، تعطي ثمنا جديا ومن أحسن الأسعار العالمية وهذا لا يمنح بالمجان”، وعبّر عن رفضه لـ”الكذب والبهتان”، وتساءل: “لا ندري من أين يأتي البعض بكلام يتحدث عن الامتيازات، وأصلا كل مشاريع الماء ليس فيها دعم، لذلك لا تكذبوا على المغاربة، وأنا لن أسكت لأن الأمر مرتبط بالتاريخ”.
يبدو أن عزيز أخنوش باستدعائه للتاريخ، يتحدى الجميع، ويريد أن يصعد إلى الجبل، لذلك نوافقه فيما ذهب إليه ولْندَع التاريخ يتكلم، فهو الشاهد الذي لا يكذب.
سألنا التاريخ: كيف صنع “آل أخنوش” ثروتهم؟ فقال: ” لقد بدأت رحلة تكوين ثروة “آل آخنوش” مع الوالد أحمد أولحاج أخنوش، الذي بدأ رسم مسار بناء الثروة من خلال افتتاح محلّ لبيع الوقود بالتقسيط، كان يبتاعه من شركة النفط الأمريكية “سوكوني- فاكيوم”، التي ستحمل فيما بعد إسم “موبيل”. وفي ظرف قياسي تطورت أعماله بسرعة واكتسب خبرة في مجال المحروقات.
يسجل التاريخ أيضا: “أن أحمد أولحاج كان إلى جانب نشاطه التجاري من المقربين إلى القصر الملكي إبان حكم الملك محمد الخامس، وذلك من خلال نشاطه السياسي، حيث يعتبر هو المؤسس لحزب الاستقلال بإقليم أكادير، الذي وضع يده في يد القصر الملكي للمطالبة باستقلال المغرب من الاحتلال الفرنسي.
بعد سنوات قليلة من نيل المغرب استقلاله، أسس أحمد أولحاج شركة “إفريقيا” لتوزيع المحروقات. وفي سنة 1972، تم عقد شراكة مع الشركة الفرنسية”Elf Aquitaine”، مع نقل الخبرة والتكنولوجيا في مجال المحروقات الذي سيصبح فيما بعد النشاط الرئيسي لمجموعة “أكوا”. وفي سنة 1977، جرى تأسيس “مغرب أوكسيجين”؛ وهي شركة مدرجة في بورصة الدار البيضاء متخصصة في إنتاج وتسويق الغازات الصناعية والطبية والغذائية، وخاصة الأوكسجين والنيتروجين والأسيتيلين. ومع بداية سنة 1980 وإلى غاية سنة 1993، شرع في إعادة الهيكلة الصناعية وولادة هولدينغ “أكوا”. وبعد ذلك، بدأت المجموعة تستثمر في قطاعات الاتصالات والصحافة، والعقارات السكنية والمهنية والسياحية.
يروي لنا التاريخ أيضا أنه بعد عودة عزيز أخنوش الابن، من كندا سنة 1986، وأثناء ترؤسه لمجموعة “أكوا”، اقتنى بتدخل مخزني مجموعة “سوميبي” لصاحبها مصطفى أمهال ليدمجها في مجموعته، وتصبح بذلك الرقم الأول في مجال المحروقات بالمغرب، ويتحكم بالتالي في قطاع المحروقات بالمملكة من حيث الأسعار وغيرها. وهكذا أصبح أخنوش من أثرى الأغنياء. فحسب مجلة “فوربس”، المتخصصة في إحصاء ثروات الأغنياء عبر العالم، فإن ثروة أخنوش تناهز ملياريْ دولار سنة 2024، ما يعادل 1.7 مليار دولار أمريكي، أي ما يناهز 1700 مليار سنتم؛ وهو ما أهله إلى احتلال المرتبة الأولى وطنيا والـثانية عشرة إفريقيا وفق تصنيف المجلة الأمريكية. والغريب أنه في الوقت الذي تزايدت فيه ثروة أخنوش وبلوغها أرقام خيالية، سجلت نسبة الفقر في المملكة ارتفاعًا كبيرًا، كما تضاعف فيها معدل الهشاشة والتفاوت الطبقي والاجتماعي.
التاريخ يسجل كذلك: “أن سنة 2007 كانت نقطة فاصلة في تاريخ عزيز أخنوش، حيث تم تعيينه وزيرًا للفلاحة والصيد البحري في عهد حكومة عباس الفاسي، وذلك بفضل دعم المخزن وأصدقائه من رجال الأعمال في جهة سوس ماسة درعة. وهو المنصب الذي بقي فيه مع حكومة بنكيران، الشيء الذي جعله يتحكم في صندوق “مخطط المغرب الأخضر” آمرا بالصرف على رغم أنف بنكيران، الذي تنازل له عن اختصاصه مرغما. لكن هذا المخطط الذي رصدت له أموال كبيرة من المال العام، فشل في تأمين الحاجيات الفلاحية للمغاربة من الخضر والفواكه التي وصلت أسعارها لمستويات قياسية. فأين ذهبت كل تلك الأموال الطائلة؟
التاريخ لم ينسَ أيضا أن يذكّرنا بـأن شركة أخنوش للمحروقات قد استفادت من ارتفاع أسعار المحروقات، عندما أصبح رئيسا للحكومة، ورفض تحديد سقف أسعار بيع المحروقات، ضمن هوامش الأرباح التي كانت تضعها الدولة دعما للأسعار، وذلك حتى تجني شركته أرباحا غير مشروعة وغير أخلاقية، وهو ما بات يُعرف في تاريخ المغرب ب: “فضيحة 17 مليار درهم” ولا تزال شركته تجني الأرباح غير المشروعة إلى يومنا هذا، وهو ما اعترفت به وزيرة الاقتصاد والمالية في حكومته بكون أثمان المحروقات بالسوق المغربي لم تنخفض رغم تراجع سعرها عالميا.
نحن لا ندري كيف فازت شركة رئيس الحكومة المغربية، بهذه الصفقة التي أثارت جدلا كبيرا، ولا ندري هل خضعت لمبدإ النزاهة ومبادئ الحكامة الجيدة أم لا؟ وهل استجابت لمبادئ الصفقات العمومية المنصوص عليها في مرسوم الصفقات أم لا؟ وهل كان هناك متنافسون حقيقيون أم صوريون لتأثيث المشهد؟
لكن ما نعلمه ويعلمه الجميع، هو أن الشركة التي فازت بالصفقة هي شركة مملوكة لرئيس الحكومة، وما أدراك ما رئيس الحكومة. وهل يمكن لأي شركة أن تقف لتنافس شركات رئيس الحكومة؟ وأيما شركة تجرّأت لتنافس شركات رئيس الحكومة سيكون مصيرها الإهمال والهزيمة أو استخدام المراجعة الضريبية كأداة للانتقام منها على تجرؤها على منافسة تلكم الشركات.
عندما سمعتُ رئيس الحكومة، في ذات الجلسة الشهرية، وهو يتحدث عن ضرورة إنجاح البرنامج التنموي، وضرورة دعمه ليعطي نتائجه، في انتظار أن تنعكس آثاره على دينامية الاقتصاد الوطني. تأكدت أنه هو من يمارس الكذب والبهتان من أجل تغليط الرأي العام، وأن هذه الوعود التي تحدث عنها اليوم هي نفسها التي سبق له أن أطلقها إبان حملته الانتخابية قبيل أن يُنصّب رئيسا للحكومة.
عندما يتحدث أخنوش عن إنجاح النموذج التنموي، فاعلم أنما يقصد تنمية أمواله وثرواته، وتنافسه على المراتب الأولى في سلم أثرياء العالم. لأن هذا هو النموذج التنموي الذي يهدف إليه، هو وأمثاله من الذين يتخذون من السياسة مطية لتحقيق المصالح الشخصية، وزيادة الصفقات والمكاسب المالية.
فلاش: كنا تحدثنا في مقالات سابقة أن الشعب المغربي سئم الوعود الكاذبة وطرحنا عدة أسئلة لا تزال عالقة بدون جواب، وكنا قلنا أن الشعب المغربي يتساءل: أين التشغيل؟ وأين العيش الكريم؟ أين الصحة والتعليم؟ وأين ثروة البلاد؟ وأين ثروات البحار، وثروات الأرض وأين أموال الفوسفاط؟ وأين مخرجات النموذج التنموي؟ وأين أموال المخطط الأخضر؟ ولماذا فشلت كل المشاريع التي أطلقها الملك منذ توليه الحكم؟ لماذا فشل السياسيون في تنزيل مضامين دستور 2011؟ وأين ربط المسؤولية بالمحاسبة التي تحدث عنها الدستور؟
إن عزيز أخنوش وهو يدافع عن فوز شركته بصفقة غير مستحقة، يكون قد وضع نفسه فوق القانون والدستور المغربي، الشيء الذي جعل بعض النشطاء وبعض السياسيين والبرلمانيين يخرجون على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة باستقالته. ونحن من هذا المنبر لا نطالب باستقالته فقط، بل بمحاسبته ومطالبته باسترجاع كل الأموال التي نهبها من المال العام بدون حق، حفاظا على استقرار وأمن الوطن.