بقلم: الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا
بالتزامن مع تسلّم رئيس الحكومة عزيز أخنوش مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، قصد رفعها إلى الملك محمد السادس، تمّ تسريب وثيقة لوسائل الإعلام، تضم عددا من التوصيات، وصفتها المصادر التي سربتها بأنها صادمة من شأنها – تقول ذات المصادر- أن تجعل الصراع بين المحافظين والحداثيين أكثر احتداما في الأسابيع المقبلة.
لا أدري مدى صحة هذه الوثيقة المسرّبة، لكن، أظن أن التسريب مقصود، وقد يكون بالون اختبار لمعرفة ردود فعل المحافظين، الذين يرفضون رفضا قاطعا مراجعة النصوص القطعية المحسومة أن تشملها أية تعديلات.
وكان العاهل المغربي قد وجّه، خلال السنة الفارطة رسالة إلى رئيس الحكومة أمره فيها بإعادة النظر في مدونة الأسرة، بهدف تجاوز العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيق المدونة السابقة، والتي مرّ على صدورها ما يقارب عقدين من الزمن، مع التنبيه إلى حرصه الشديد على أن يتمّ ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، وعلى أن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية. وأكدت الرسالة الملكية أنه اعتبارا لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، فقد ارتأى نظر الملك إسناد قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.
وفي هذا الإطار دعا هذه المؤسسات أن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مشددا على أهمية الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني، من خلال اعتماد مقاربة تشاركية واسعة.
وعوض أن ينطلق النقاش من المرجعية الدينية المستندة إلى القرآن الكريم والسنة المشرفة، وإلى الاجتهاد المؤسس على المقاصد الشرعية العامة على اعتبار أن المملكة المغربية دولة إسلامية، بنصّ الدستور، وعوض أن يكون النقاش مؤطرا أيضا بتوجيهات الملك، على اعتبار أنه أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
عوض كل ذلك رأينا بأن بعض الهيئات المشاركة جنحت على صياغة مقترحات تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مثل المطالبة بالمساواة في الإرث بحجة الاجتهاد أو التجديد في الأنصبة أو الحجب أو إلغاء التعصيب بإطلاق فيها ما فيها من إلغاء أحكام نصت عليها أدلة شرعية. وهو ما يعدّ مخالفة صريحة للتوجيهات الملكية.
لكن الغريب ما في أمر هذا النقاش، هو تهميش العلماء الجادين من أمثال العالم الكبير مصطفى بنحمزة، ومنعه من التلفزة العمومية بسبب موقفه من المدونة، وبالمقابل استشارة من يطعن في ثوابت الأمة والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، على الرغم من تواضع مستواه لا أقول العلمي، ولكن أقول التعليمي (مستوى الثالثة إعدادي).
والأغرب من ذلك، تغييب المعني الأول بهذه المدونة، ألا وهو الشعب المغربي (عدم استشارة جمعيات ومنظمات وازنة تمثل شرائح عريضة من المغاربة) بحيث هو الذي يجب أن يقول كلمته وأن يعبّر عن رضاه التام أو رفضه التام لمضامين التعديلات المرتقبة.
السؤال المطروح الذي غاب عن هؤلاء الذين طبخوا هذه الأكلة الملغومة، هو كيف سيكون رد الشعب المغربي إذا ما صحّت تلك التسريبات ؟
قبل ذلك لا بد من التذكير أنه منذ أن دخل الإسلام بلاد المغرب وترسّخ بأرضه، آمن المغاربة بمبادئه فجاهدوا في سبيله واستشهدوا من اجل عقيدته وشريعته، ولم يتوانوا في تقديم الغالي والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا.
ولذلك فجميع الدول التي حكمت المغرب منذ عهد إدريس الأول، لم يقم حكمها إلا على هذه الأسس الراسخة في أعماق المغاربة.
ولا بد من التذكير أيضا أنه قبل عشرين سنة حاولت حكومة عبد الرحمان اليوسفي فرض ما سمّته آنذاك الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، والتي استوحت فكرتها من مقاربة النوع أو ما يعرف بـ”الجندر” المستوحى من إعلانات مؤتمرات القاهرة 1994 وبيكين 1995، وهي المقاربة التي تقوم على نفي الفروق البيولوجية الفطرية في تحديد أدوار الرجال والنساء، بما يمكّن من هدم أركان المفهوم التقليدي للأسرة، الأمر الذي جعل الحرية الجنسية وقود حطب لمعركة فكرية وسياسية بين أنصار الخطة ومعارضيها.
وإذّاك قال الشعب المغربي كلمته حيث خرج بكل أطيافه في مسيرة ضخمة جدا، طالبت بإسقاط تلك الخطة المشؤومة، وهو ما استجاب له الملك، حيث تدخل لنزع فتيل الفتنة التي كادت أن تودي باستقرار المغرب وأمنه، وذلك في خطاب تاريخي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003، وبذلك وضع حدا لذلك الجنوح الحكومي نحو المساس بهوية الشعب المغربي، معلنا فيه أنه لا يمكنه بصفته أميرا للمؤمنين أن “يُحل حراما أو أن يحرم حلالا”.
يقال إن الإنسان الحكيم البصير هو من يحسن قراءة التاريخ جيدا، لأنه بوعيه لدروسه إنما يحسن قراءة المستقبل أيضا، لذلك أتمنّى ألا يتكرر سيناريو” خطة إدماج المرأة في التنمية 1999″ والتي أدت إلى انقسام واستقطاب اجتماعي خطير بين المغاربة.
لذلك الحذر الحذر من محاولة فرض ما من شأنه أن يمسّ بهوية المغاربة وعقيدتهم، لأن الشعب مستعدّ للدفاع عن عقيدته وشريعته السمحة، وفي هذه المرة قد يكون رد فعله أشد وأقوى، من مسيرة 12 مارس 2000.
فلاش: في كتاب “لا ذكورية في الفقه الاسلامي” للعالم العلامة الفقيه الكبير سيدي محمد التاويل رحمه الله، قال:” الأم اليهودية محرومة من الإرث، والبنت اليهودية لا حق لها في الميراث إذا تزوجت في حياة أبيها، والابن البكر يعطى ضعفي الابن الثاني والثالث… ومع هذا التفاوت الواضح، فإنهم ساكتون، ولا يشتكون، ولا يحتجون على ذلك، ولم نسمع أحدا في الشرق ولا في الغرب من يثير قضيتهم؟؟ الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سر هذا التعاطف مع المرأة المسلمة في المطالبة بالمساواة في الإرث وتحريضها على التمرد على دينها وشريعتها.
هل لأن نظام الإرث اليهودي أعدل وأنصف للمرأة من نظام الإرث الإسلامي؟ أم أن المسؤولين في الدولة اليهودية يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المس بمقدساتهم الدينية؟؟”
بدوري أعيد طرح نفس الأسئلة على هؤلاء الذين يتجرّأون على دين الله، والذين يجعلون المواثيق الكونية أسمى من تشريعاته سبحانه وتعالي. فهل من مجيب؟ لا أريد أن أذكر الأسماء فهم معلومون ومعرفون بسيماهم لدى الشعب المغربي. لكني أريد أن أضيف سؤالا آخر أقول فيه: لقد نصّت (مدونة الأسرة المغربية 2004) في الأحكام العامة في (المادة 2)، على أن: “اليهود المغاربة تسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية، والتي تتضمن تلك الأحكام المشار إليه من قبل. وبالتالي هل ستجرؤ حكومة أخنوش على الاقتراب من مدونة اليهود المغاربة من أجل إعادة النظر في بنودها المجحفة ورفع مقترحات إلى الملك بتعديلها، أو تجديدها والاجتهاد فيها، أو الحذف منها والزيادة فيها، حتى تواكب ما سمي بالمواثيق “الدولية”؟
سؤال ملحّ ألتمس له جوابا من وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي آل على نفسه “اتخاذ وتنفيذ جميع التدابير والقرارات من أجل “التمكين الشامل للمرأة المغربية والقطع مع مظاهر الإقصاء والتهميش الذي تعيشه المرأة في مختلف المجالات”
انتظرت الجواب طويلا لكن البريد الصوتي أجابني: “لا يوجد حاليا أي مشترك في الرقم الذي تطلبونه” عيدكم مبارك سعيد، وكل عام وأنتم بخير.