أردوغان أو الحصان الرابح في معدلات التوازن الداخلي و ترتيبات النظام العالمي..
بقلم : دكتور عبدالله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية
مــع اقتــراب موعــد الاقتــــراع الرئاسي و التشريعيات بتركيا و المحددة في يــوم 14 ماي.. نقترب من قــراءة خارطة التحالفات الحزبية و السياسية ، و ترتفع درجة ترقب نتائج رئاسيات حاسمة على ضوء نتائج استقراءات رأي متباينـة بين الفرقاء السياسيين.. يتضح من خلالها ان الرئيس ” رجب اردوغان ” هو الشخصية المحوريــة التي تدور حولها العملية السياسية و الانتخابية ككل سواء داخل تيار التحالف أو المعارضة.. إذ يتربع هاجس انهاء فترة ” اردوغان ” على برامج تحالف المعارضة أو ما يعرف ” بطاولة السداسية ” ، بل انه البرنامج الوحيد لتحالف أحزاب المعارضة و خاصة ” كمال كاليشدار اغلو” زعيم المعارضة الجديد والملقب ب” غاندي “…في حين و طيلة عشرون سنة ظل ” اردوغان ” هو الورقة الرابحة لحزب العدالة و التنمية.. و اللاعب الوحيد في المشهد السياسي التركي ..
و مع كل ماعرفه المشهد السياسي الداخلي من تفاعلات وتغييرات على مستوى نتائج البلديات الكبرى كاسطنبول و انقـرة.. و التي فقدها حزب ” اردوغان” في البلديات الأخيرة.. فإن الرئاسيات تحكمها ميكانزمات لها علاقة بعناصر داخلية و أخرى خارجية…
و الــواقع أن موعد الانتخابات كان هو 18 يونيو 2023، لكن ” اردوغان ” اختار تاريخ 14 ماي حتى يتجنب فترة الامتحانات الجامعية و موسم الحــج…لكن بعض المتتبعين مالــوا الى أن ” اردوغان ” اختار تاريخا له دلالات سياسية و رمزية تاريخية قويــة للديمقراطية التركية، اذ يصادف تاريخ 14 ماي 1950 حيث فاز زعيم الحزب الديمقراطي ” عدنان مندريس ” بالتشريعيات , لكن سرعان ما تعرض لانقلاب عسكري و تم اعــدامه سنة 1960…
و بعيدا عن تصريحات و تعهدات و ارقــام معاهد الاستقراء سواء القريبة من ” تحالف الشعب” الموالي لأردوغان أو القريبة من ” تحالف الامة ” الموالي للمعارضة.. فإن الاجماع ينصب على أن انتخابات 14 ماي هي مفصلية في تـاريخ تركيا و يجعل من ” اردوغان ” شخصية تختزل النظام السياسي و الاستقرار الاجتماعي الداخلي و الممثل القوي للمصالح التركية على المستوى الخارجي…
فلا يختلف حول الشخصية القيادية و كاريزما الرئيس ” أردوغان و لا حول ذهـائــه السياسي و لا كيف يقلب مؤشرات الهزيمة الى معادلات النصر.. مسار سياسي طويل و انتخابات و استفتاءات و حتى محاولة الانقلاب لـسنة 2016.. كان يخرج دئما منتصرا ..لأن الرجل يعرف كيف ينتصر فقط ، لذلك فالعنوان الرئيسي لتيار المعارضة هو هــزمه ، و لو كلفهم الأمــر التنازل لبعض الأحزاب الصغيرة عن مكاسب سياسية كمقاعد برلمانية أو عموديات مدن كبيرة..
لقد اعتبرت المعارضة زلــزال 6 فبراير 2023 الذي ضرب تركيا و سوريا و ارتفاع الضحايا الى أرقام قياسية حوالي 50 ألف و التباطؤ في عمليات التدخل و الإنقــاد و تــراخي مسؤولي قطاع البناء داخل المؤسسات الإدارية في تسليم رخص البناء و مراقبة احترام معايير الزلزال… أقول..اعتبرته مساحة مهمة لتوجيه انتقادات لاذعــة لسياسات أردوغان الداخلية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات في شهر ماي.. وهي انتقادات دفعت اردوغان للإعلان عن تعويضات لكل المتضررين و بنــــاء المساكن مع التعهد بتسليم نصفها عند نهايــة هذه السنة ، كما نقل التلفزيون التركي لحظات اعتقال مقاولين بالمطارات ، كانوا على وشك الهروب من المحاسبة و الغش في بناء مساكن في أماكن مهددة بالــزلازل…
سواء في ملفات الهجرة أو الحرب أو السلم …وهو ما جعل من الرئيس ” اردوغـان ” هدفا لانتقادات رؤساء غربيين كالرئيس ماكرون و حكومات المانيا و هولندا في وقت سابق…وهجوم مواقع إعلامية و منظمات حقوقية عالمية..
كما دفعت تركيا / اردوغان الى احترام توجهاتها و ترتيب أولوياتها الوطنية.. فهي عضو ” تحالف الناتو ” الذي اشترى دفاعات روسية متطورة ، و لم ينخرط في العقوبات الغربية على موسكو ، لأنها لم تصدر عن مجلس الأمن الدولي و رفض انظمام السويد الى حلف الناتو ، لأنها تستضيف بترابها جماعات و منظمات تعتبر حسب القانون التركي إرهابية ” حزب العمال الكردي ”
لذلك لا يمكن تصور ترتيبات النظام العالمي الجديد بدون الدور التركي و بصمة الرئيس ” اردوغــان “..التي نجدها في كل الملفات الساخنة بالشرق الأوسط و افريقيا و البحر المتوسط و البلقان…وهو الدور الذي جعل العديد من الجهات الخارجية تتمنى خسارته و انهــاء فترة توهج تركي على المستوى الخارجي.. و في نفس الآن جعل أخرى تتمنى فــــوزه لاستكمال ترتيبات بنــاء تحالفات سياسية و اقتصادية جديدة .. لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة…فهل سقوط الرئيس أردوغان في امتحان يوم 14 ماي هو سقوط لكل تركيا.. أم ان حظوظه في الفوز و عقلية النصر ستجعل من 14 ماي 2023 تماهي مع ذكرى للفوز التاريخي للحزب الديمقراطي سنة 1950 .. و نقلة نوعية في المجال الديمقراطي على المستوى الداخلي و ترسيخ لدور تركيا / اردوعان على مستوى النظام العالمي الجديد…؟