في أقل من ثلاث سنوات، شهدت أسعار اللحوم الحمراء في المغرب ارتفاعًا غير مسبوق، حيث انتقل سعر الكيلوغرام من 60 درهمًا إلى أكثر من 130 درهمًا، هذا الارتفاع المهول وضع القفة اليومية للمغاربة تحت ضغط غير محتمل، في ظل عجز حكومي واضح عن كبح موجة الغلاء. وعلى الرغم من تخصيص مليارات الدراهم لدعم المستوردين والفلاحين الكبار ومنح إعفاءات جمركية، فإن النتائج كانت مخيبة للآمال، وهو ما أقر به تصريح مقتضب لفوزي لقجع الذي أعلن فيه فشل آليات الدعم في السيطرة على الأسعار.
المعاناة التي عاشها المغاربة خلال عيد الأضحى الماضي جسدت هذه الأزمة بوضوح، حيث اتضح أن الحكومة عاجزة عن توفير حلول ناجعة لأزمة متفاقمة، وبالتالي رفض الحكومة الاعتراف بوجود هذه الأزمة يعني ضمنيًا إدانة رئيسها، مهندس المخطط الأخضر، الذي ركز على تسمين أرصدة الفلاحين الكبار وشركات المعدات الزراعية على حساب الفلاحين الصغار، الشيء الذي تسبب في تهديد مباشر للأمن الغذائي الوطني، وأدى إلى اختلال واضح في سلسلة إنتاج اللحوم والحليب، مع تفاقم الخصاص في السوق وارتفاع غير مبرر للأسعار.
رغم وعود الحكومة بتوفير اللحوم المجمدة والطازجة من خلال استيراد الأبقار الجاهزة للذبح، إلا أن هذه التدابير لم تؤتِ ثمارها، بل على العكس، باتت هذه الحلول ترقيعية وتؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها الإضرار بتنافسية المنتج المحلي وتدمير سلسلة الإنتاج الوطنية. هذا الوضع كشف عن خلل بنيوي في التخطيط الفلاحي، وأثار تساؤلات حول مصير الميزانيات الضخمة التي أنفقت خلال العقدين الماضيين على برامج لتأهيل المراعي وتنمية القطيع، والتي استفاد منها كبار الملاكين والوسطاء، بينما تُرك صغار الفلاحين والكسابة يواجهون مصيرهم بلا دعم كافٍ.
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي أكدت أن هذا الوضع ليس معزولًا، بل هو نتيجة طبيعية لسياسات رهنت الأمن الغذائي للسوق العالمية بدل تعزيز الإنتاج المحلي. الأزمة أصابت القطيع الوطني في مقتل، حيث فقد ثلثي تعداده في السنوات الأخيرة بسبب ضعف التدخل الحكومي وغياب برامج فعالة لدعم صغار الفلاحين، الذين يمثلون العمود الفقري للإنتاج الزراعي والحيواني.
المطالب الملحة اليوم ترتكز على ضرورة تقديم دعم مباشر ومستدام لصغار الفلاحين، وتعجيل دعم الأعلاف وإعادة بناء القطيع الوطني، لضمان استمرارية الإنتاج الوطني وحماية السيادة الغذائية. كما أن فتح حوار جاد ومباشر مع ممثلي الفلاحين أصبح ضرورة ملحة للإصغاء لشكاويهم وتلبية مطالبهم المشروعة، بعيدًا عن الحلول المؤقتة التي لا تعالج أصل الأزمة.
المستقل