تدوينة للكاتب الصحفي الجزائري عثمان لحياني
أمكن، في غضون أسبوع، جمع ثلاث إشارات إيجابية تصدُر من الجزائر باتجاه المغرب، حضرت روحٌ تنحاز إلى الإيجابية وأقرب إلى المعنى التصالحي.
في كل الأحوال، عقلنة الأزمات أمر جيد، وكلما حضرت الروح الإيجابية وطغت على الخطاب السياسي كان هذا أسلم تعبيراً عن القوة والقدرة السياسية، وأفضل من الخطاب المتشنّج.
في التأويل السياسي، يمكن اعتبار حديث الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، عن “الباب المفتوح لجيراننا في الغرب” (يقصد المغرب)، وقد كرّرها مرّتين، للانضمام إلى مبادرة اللقاءات وكيان التنسيق المغاربي الجديد، دعوة غير مباشرة إلى الرباط للالتحاق بهذا المسعى، وضمن السياق نفسه، يُفهم تكراره مرّتين أن المبادرة “ليست موجّهة ضد أي دولة من دول المغرب العربي”، وهذا تحول مهم في مفردات الخطاب، وانتصار إلى تطلع مغاربي تفرضه الظروف وتتقاسمه الشعوب قبل الحكومات.
هناك إشارة أخرى في الحوار التلفزيوني نفسه، عندما رفض الرئيس الخوض في قضية النزاع في الصحراء، وقال إنه لا يريد الحديث عن مزيدٍ من “التشرذم العربي”. سبقتها إشارة إيجابية ثالثة، فقبل أيام، وصف وزير الخارجية، أحمد عطاف، قرار المغرب بشأن أزمة المباني والممتلكات التابعة لسفارة الجزائر في الرباط بأنه “قرار نعتبره لائقاً”، إذ نادراً ما تصدُر تعبيرات بهذا المنحى الإيجابي بين البلدين، خصوصاً منذ قطع العلاقات في أغسطس2021.
في نطاق ضيق، جرى تداول تفسير سياسي لأزمة عقارات السفارة الجزائرية في الرباط، بأن طرفاً ما في المغرب كان يريد التشويش على “مساعٍ حميدة”، لكن الحكمة انتصرت في البلدين، وجرى إنهاء المسألة على نحو مرضٍ. وهذه في حد ذاته مؤشّر على أنه متى جرى الاحتكام إلى العقلانية والهدوء، كان ذلك أسلم لكل الأطراف.
تعكس كل هذه التصريحات والإشارات الإيجابية من الجزائر نحو الرباط، ومن الرباط نحو الجزائر، رسائل ورغبة كبيرة في إظهار مستوى من المسؤولية والاستعداد للحديث السياسي بديلاً عن إدارة الظهر، وإظهار قدر واضح من النيات الحسنة، وبإمكانية لجم الخطاب الرسمي عن أي تشنّج، وتجنّب كل التعبيرات والخيارات القلقة، شرط أن تُفهم هذه الرسائل بالشكل الصحيح، وتلقى التأويل السليم والمعقول.
في النهاية، هذه رسائل مشجّعة، قد تسهم، ومن يدري، في “مساعٍ حميدة” عبر طرق ومستويات مختلفة بين البلدين. والمعتاد أن الرسائل الإيجابية في حال الأزمات بين الدول لا تأتي من فراغ، يمكن تفسيرُها بأنها إعلان حسن نيات، لكنها قد تكون أيضاً صدى مساعداً لجهدٍ ما، غير معلن في الغالب، يقوم به ناقل رسائل أو صديق يحيط بالأزمة، ويودّ المساعدة بالبحث عن مخارج معقولة.
ربما تجري مياه في مجرى العلاقة بين الرباط والجزائر في مكان ما، وبأسلوب ما، ليس مهمّاً البحث في تفاصيل ذلك في الوقت الحالي، ولا التساؤل بشأن ملابساتهةوفواعله، ما يهمّ أن يثمر ذلك ويستقيم عود العلاقة المعوج، ويعود الأشقاء إلى سبيل الرشد.