
المستقل
في واقعة صادمة وغير مسبوقة داخل مؤسسة عمومية، كاد أحد مستشار ديوان رئيس جماعة طنجة أن يتسبب في أزمة ديبلوماسية حقيقية، بعدما أقدم، بجرأة فجة، على إهانة نائبة برلمانية وعضوة المكتب السياسي لحزب وطني عريق أمام وفد ديبلوماسي رفيع المستوى يضم برلمانيين وزعماء أحزاب من دول عربية.
سلوى الدمناتي، النائبة البرلمانية المعروفة باحترامها ووزنها السياسي، وعضوة المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم تكن تتوقع أن تُهان داخل قاعة عمومية بمقر جماعة طنجة، على يد مستشار مكلف بالإعلام والتواصل في ديوان العمدة، فقط لأنها سألت عن مكان جلوسها في لقاء رسمي، ليجيبها هذا الأخير بتعالٍ، “مقعدك في الصفوف الخلفية”. وعندما قررت الخروج درءًا للإحراج، لحق بها قائلاً، “أنتِ لست مدعوة”، في مشهد أقل ما يُقال عنه إنه سلوك غير مسؤول كاد يُحرج الدبلوماسية المغربية أمام ضيوفها.
ما حدث ليس فقط تطاولاً على نائبة برلمانية، بل إهانة متعمدة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب الذي أسس لمسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب، والذي أنجب زعماء بحجم عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي. فأن تُهان عضوة في مكتبه السياسي بهذه الطريقة، وداخل مؤسسة منتخبة، هو أمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، خاصة وأن الاستفزاز جاء من موظف في ديوان العمدة، يفترض أن يكون ممارسًا لمهام إدارية وتقنية وفقًا للقانون، لا أن يتحول إلى رقيب سياسي أو صاحب قرار في من يدخل ويجلس.
الواقعة، التي وثّقها شهود من داخل الوفد العربي، خلّفت انزعاجاً شديداً في صفوف الزوار، الذين عبّروا بملامحهم عن الاستياء والذهول من هذا التصرف اللامسؤول، في وقت تبذل فيه الدولة جهودًا كبيرة لتكريس صورة الانفتاح والديمقراطية والاحترام في المؤسسات.
لكن الصدمة لا تقف عند هذا الحد، فالسلوك المشين للمستشار المذكور لا يُعد سابقة داخل جماعة طنجة، حيث سبق لمستشار آخر أن صدر في حقه حكم بالحبس على خلفية ملف سب وقذف، ما يُبرز أن محيط العمدة صار مساحة لانفلاتات لا تليق بمؤسسة دستورية، وتدق ناقوس الخطر حول طبيعة الأشخاص الذين يتم اختيارهم ضمن دواوين التسيير.
ولم يخف البيان التضامني الصادر عن فريق حزب الاتحاد الاشتراكي بمجلس جماعة طنجة غضبه واحتقاره لما وقع، مؤكدًا أن الحادث ليس إلا تتويجاً لمسار من الاستفزازات والإهانات الممنهجة التي تتعرض لها المستشارات والمستشارون من طرف بعض أعضاء الديوان، في غياب أي تأطير قانوني أو رادع إداري.
البيان شدد على أن سلوك المستشار يشكّل خرقاً سافراً للدستور، خاصة الفصل 19 الذي يضمن المساواة بين الجنسين، وكذلك القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات، وخصوصًا المادة 54 من القانون 113.14، والمذكرة الوزارية المؤطرة لتعيين مستشاري الدواوين، التي تشدد على احترام كرامة المنتخبين والقيام بالمهام في إطار الحياد والمهنية.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه الرأي العام، أين هي وزارة الداخلية؟ وأين السلطة الوصية؟ وأين المسؤولية السياسية؟ يبقى الصمت الرسمي حتى الآن مثيراً للقلق. فالتطاول على مؤسسات منتخبة، وإهانة رموز حزبية ونساء سياسيات أمام الوفود الدولية، يهدد مصداقية الدولة الديمقراطية ويضرب مكتسبات المناصفة في العمق.
الكرة الآن في ملعب الدولة، لتُثبت أن كرامة المنتخبات ليست مادة للابتذال، وأن المؤسسات المنتخبة ليست مسرحاً لفوضى مستشاري الدواوين. فإما أن تُتخذ إجراءات حازمة تحفظ هيبة المؤسسات وصورة المغرب، أو يُترك الباب مفتوحًا أمام تكرار الإهانات، والانزلاق نحو مستويات أخطر من الاحتقار السياسي والمؤسساتي.