
اختتمت فعاليات النسخة الخامسة من المهرجان الدولي للرحل بجماعة تويزكي التابعة لإقليم آسا الزاك، بتسجيل نجاح لافت في تحقيق التوازن بين صون الموروث الصحراوي الحساني وتعزيز الحماس الوطني، حيث توج اليوم الختامي بتنظيم سباق الهجن وتكريم الفائزين، في وقت تزامن مع الافتتاح الرسمي لبطولة كأس أمم إفريقيا “المغرب 2025” وفوز المنتخب الوطني المغربي على نظيره من جزر القمر.

شكل المهرجان في جوهره إجابة عملية على الأسئلة الجوهرية المرتبطة بالهوية والاستدامة، فقد ضم الحدث نسيجاً من الرحل، الباحثين، الرياضيين، والفنانين من دول الساحل والصحراء، فهو استعادة حية لنمط عيش الرحل عبر مسابقات “رمي الاسهم” و”رمي الشارة” وسباقات الهجن. وقد جرت هذه الفعاليات في عمق المجال الصحراوي بتويزكي، خلال شهر ديسمبر 2025، لحماية التراث اللامادي من الانقراض، عبر توظيف الفعاليات الثقافية والرياضية كمنصة للدبلوماسية الموازية والتنمية المحلية.

احتل سباق الإبل، صدارة المشهد في اليوم الختامي، بصفته النشاط الأكثر استقطاباً للجمهور والمتابعين. هذا السباق لا يمثل مجرد منافسة رياضية، بل هو طقس احتفالي يعيد الاعتبار للجمل كرفيق تاريخي للرحل ومصدر عيشهم الأساسي.

شهدت المنافسات مشاركة واسعة من كسابي المنطقة، حيث خضعت الإبل المشاركة لعمليات فحص وتصنيف دقيقة بناءً على السلالة والعمر وقدرة التحمل. وقد تميز السباق في نسخة تويزكي بحضور وفد رسمي رفيع المستوى، مما أضفى طابعاً مؤسساتياً على هذه الرياضة التقليدية. إن تحويل “اللز” إلى مسابق منظمة بجوائز تقديرية يساهم في تشجيع الشباب على الحفاظ على سلالات الإبل الأصيلة وتطوير مهارات ركوبها، وهو ما يعد جزءاً من حماية التنوع البيولوجي والثقافي للمنطقة.

تؤدي سباقات الهجن دوراً محورياً في تعزيز التماسك القبلي والاجتماعي، حيث تجمع بين مختلف المكونات الصحراوية في فضاء تنافسي شريف. وتظهر البيانات المستقاة من المهرجانات المماثلة أن هذه التظاهرات ترفع من القيمة السوقية للإبل بنسبة ملحوظة، مما ينعكس إيجاباً على الدخل المادي للرحل ويشجعهم على الاستقرار النسبي المرتبط بإدارة هذه الموارد.

من أبرز سمات النسخة الخامسة للمهرجان هو التزامن الرمزي مع حدث رياضي قاري كبير، وهو افتتاح كأس إفريقيا للأمم “المغرب 2025”. فبمجرد انتهاء سباقات الهجن، انتقل الحضور إلى الساحة الرئيسية لمتابعة مباراة المنتخب الوطني المغربي ضد منتخب جزر القمر، مما خلق جسراً بين الأصالة التراثية والطموح الرياضي الحديث.

حققت المباراة الافتتاحية فوزاً للمنتخب المغربي بنتيجة هدفين مقابل لا شيء، وهي النتيجة التي تزامنت مع الحفل الختامي للمهرجان، مما ضاعف من مشاعر الفخر والانتماء لدى الساكنة والزوار. هذا التلاقي بين الفعل الثقافي والحدث الرياضي أظهر قدرة المغرب على توحيد المشاعر الوطنية عبر مختلف أقاليمه، من الملاعب الكبرى في الرباط إلى الخيام التقليدية في تويزكي.

تميز ختام المهرجان بلحظة بروتوكولية ذات دلالة عميقة، تمثلت في تلاوة برقية الولاء والإخلاص المرفوعة إلى جلالة الملك محمد السادس. هذه الخطوة تعكس تشبث ساكنة إقليم آسا الزاك ومختلف المشاركين بالثوابت الوطنية ووفائهم للعرش العلوي المجيد، مما يضفي على المهرجان صبغة وطنية تتجاوز البعد الثقافي الصرف لتصل إلى تأكيد الوحدة الترابية للمملكة من خلال التراث.


