
انسحاب الفريق الاشتراكي من مبادرة ملتمس الرقابة ضد حكومة عزيز أخنوش، أثار عاصفة من ردود الفعل الغاضبة داخل المعارضة، وفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة التوازنات السياسية داخل البرلمان المغربي. فقد خرج رضا بوكمازي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بتصريحات نارية اتهم فيها الفريق الاتحادي بتقويض العمل الجماعي للمعارضة، واصفًا موقفه بـ”غير المسؤول” و”الخدمة المجانية” الموجهة لصالح الحكومة.
بوكمازي لم يتردد في الإشارة إلى أن موقف الاتحاد الاشتراكي يطرح علامات استفهام حول “المقابل السياسي” أو التفاهمات غير المعلنة التي دفعت الفريق إلى التراجع المفاجئ، خاصة أن ملتمس الرقابة كان ثمرة مشاورات موسعة بين مكونات المعارضة، بهدف مساءلة الحكومة حول عدد من القضايا الحساسة، من أبرزها فشل السياسات الاجتماعية، وتضارب المصالح في تدبير الصفقات العمومية.
وفي ظل تزايد الانتقادات الموجهة إلى أداء الحكومة، وارتفاع منسوب الغضب الشعبي من غلاء الأسعار وتراجع الخدمات العمومية، كان يُفترض أن يشكل ملتمس الرقابة لحظة ديمقراطية حقيقية تُمكّن المعارضة من إسماع صوتها، ومساءلة الأغلبية عن حصيلتها، لكن الانسحاب المفاجئ للفريق الاشتراكي أفرغ المبادرة من مضمونها، وأعاد ترتيب مواقف المعارضة على أسس مرتبكة.
وعبّر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، بدوره عن أسفه الشديد لهذا الموقف، واصفًا ما حدث بـ”الهدية المجانية للحكومة”، ومعتبرًا أن الاختلاف في الأهداف والطموحات بين فرق المعارضة قد أضعف جبهة الرقابة البرلمانية في لحظة سياسية مفصلية. بنعبد الله، الذي بدا محبطًا من تكرار مثل هذه السيناريوهات، أشار إلى أن الزمن كفيل بكشف خلفيات هذا الانسحاب، مذكّرًا بأن الأمر يتعلق بفرصة محورية كانت ستفضح ما وصفه بـ”الفشل الذريع” في تدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية.
أما محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، فقد اعتبر القرار “عبثًا سياسيًا حقيقيًا”، وأكد أن الفريق الاشتراكي لم يُشرك باقي الفرقاء في قراره، وهو ما يتعارض مع منطق التنسيق المشترك. وعبّر عن استغرابه من تعبير “اختلاس ملتمس الرقابة” الذي استعمله الفريق الاتحادي، مشيرًا إلى أن المشروع كان عملاً جماعيًا لم يكن مملوكًا لأي طرف بعينه.
هذا التطور يعكس هشاشة التنسيق داخل صفوف المعارضة، ويطرح مجددًا سؤالًا محوريًا حول مدى استعداد مكوناتها للارتقاء بخطابها وممارستها إلى مستوى اللحظة السياسية. كما يُظهر أن المعارضة، في تركيبتها الحالية، ما زالت أسيرة حسابات حزبية ضيقة، تعيق أي بناء جبهوي قادر على مواجهة ما يُوصف شعبيًا بـ”حكومة مصالح كبرى”.
في المقابل، تُواصل حكومة أخنوش، التي تعاني من اهتزاز صورتها أمام الرأي العام، الاستفادة من تشرذم المعارضة وتناقض مواقفها، وهو ما يعمّق شعور المواطنين بأن الرقابة البرلمانية لم تعد سوى عنوان شكلي في مشهد سياسي يتجه نحو الانغلاق أكثر من الانفراج.
ويبقى السؤال الكبير، هل أصبحت المعارضة جزءًا من معادلة إنتاج التوازن لصالح الحكومة؟ أم أن ما جرى يعكس ببساطة حدود السياسة في ظل صفقات ما تحت الطاولة؟
الأكيد أن ملتمس الرقابة سقط، لكن الثقة الشعبية في صدقية العمل الحزبي والمعارضة البرلمانية تتآكل تباعًا والشارع يُسجّل.
المستقل