
.
بقلم :محمد العربي / بروكسل
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأعياد الوطنية التي يفترض أن تكون رمزًا للفخر والانتماء، تتحول إلى مجرد مناسبات سطحية تُستغل فيها المشاعر الوطنية من أجل الإشهار والربح السريع. لم تعد تلك الأيام لحظة تأمل في تاريخ الوطن وإنجازاته، بل صارت فرصة لتلميع صور المؤثرين، وإقامة حفلات فارغة لا تحمل أي معنى سوى الاستعراض والتصفيق الأجوف.
وما يدعو للأسف أن نرى بعض المؤثرين يلهثون وراء هذه المناسبات ليس حبًا في الوطن، بل بدافع المكسب الشخصي، فيسمحون لأنفسهم بأن يُستغلوا من قبل منظّمين لا يبحثون سوى عن الدعاية المجانية. هؤلاء المنظمون يحوّلون الرموز الوطنية إلى سلعة تجارية، فيسلبونها معناها وقيمتها.
ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما نراه اليوم من بعض المنظمين الذين يستغلون ذكرى المسيرة الخضراء – تلك الملحمة التاريخية التي خلدها المغاربة بدمائهم وإيمانهم – من أجل إقامة حفلات دعائية باهتة تحت غطاء الوطنية، بينما الهدف الحقيقي هو الترويج لمشاريعهم الربحية الخاصة.
نجد أحدهم، مثلًا، يُقيم حفلًا ضخمًا يقول إنه احتفاء بذكرى وطنية مجيدة، بينما في الواقع هو احتفال بذكرى تأسيس شركته “فاسيفون”، مستغلًا المناسبة العظيمة كوسيلة لتلميع صورته وجذب المتابعين والمستثمرين دون أي مقابل حقيقي لمن يشارك.
إنه قمة الخزي والعار حين تُستغل العقول الضعيفة والمغرّر بها لترويج مشروع ربحي بالمجان، باسم الوطن وباسم المسيرة، وهي في الأصل بريئة من كل هذا النفاق.
والأخطر أن هذه المسرحيات الزائفة تتغذى على سطحية بعض المؤثرين الذين يبيعون حضورهم وصورتهم مقابل لحظة شهرة زائلة، دون أن يدركوا أنهم مجرد أدوات تُستعمل ثم تُرمى.
وفي الجهة الأخرى، نجد العديد من النساء اللاتي أصبحن ضحايا ثقافة الشهرة السريعة على تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام، حيث يُستغلّ حضورهن ورغبتهن في البروز لتسويق محتوى بلا قيمة، فقط من أجل أرقام وهمية تُسمّى “المتابعين”.
ما نراه اليوم هو انحدار خطير في الوعي الجمعي، ونتيجة مباشرة لغياب القيم والمبادئ. الوطنية ليست شعارًا يُرفع في حفل، ولا هاشتاغًا يُتداول، بل مسؤولية وشرف. والوطن لا يُكرَّم بصور على “الستوري”، بل بالعطاء الحقيقي والإخلاص في العمل.
لقد آن الأوان لنقولها بوضوح: استغلال الرموز الوطنية لأغراض تجارية هو خيانة معنوية للوطن، ومشاركة المؤثرين في هذه المسرحيات عن جهل أو طمع هي مشاركة في تشويه الوعي العام.
