صدر عن منشورات دار المناهل بالرباط كتاب للباحث مصطفى تاج تحت عنوان: “دوافع التطوع لدى المغاربة -دراسة استقصائية تحليلية”.
يسلط الكتاب الضوء على العمل التطوعي كظاهرة اجتماعية لازمت المغرب منذ عصور، حيث تعد بلادنا من أعرق البلدان التي أسست لثقافة التطوع عبر التاريخ، فمنها انبثقت مبادرة التويزة، كوجه من وجوه التكافل الاجتماعي بين الأسر والقبائل الأمازيغية، وفيها تعززت صور العمل التطوعي، عبر التعاضد والتعاون لبناء دور العبادة ومساعدة المحتاجين والتكفل بالأيتام والأرامل عبر الوقف، الذي يعتبر أسمى صور التكافل والتضامن الإنساني مع الأخر. وصولا إلى مأسسة العمل التطوعي عبر جمعيات وتعاونيات ومؤسسات جندت نفسها لخدمة البلاد والعباد من مختلف النواحي.
فالتطوع يعد سلوكا إنسانيا وظاهرة اجتماعية لزمت الإنسان منذ زمن طويل. ومع ظهور الدولة العصرية والمؤسسات الحديثة أصبح التطوع بمثابة لبنة أساس لبناء المجتمعات، تتراوح آثاره من جماعة لأخرى ومن مجتمع لأخر، حيث نجد أن مختلف الديانات والفلسفات الاجتماعية حثت عليه لبواعثه الإنسانية والأخلاقية والحضارية والتنموية التي تهدف إلى الارتقاء بالإنسان فردا وجماعة ومجتمعا، ومساعدته في حل المشكلات التي يعاني منها في بيئته الاجتماعية.
فقد شكل الأفراد عبر التاريخ جماعات وتشكيلات اجتماعية بطريقة طوعية، تكونت نظمها من خلال عادات وأعراف وتقاليد، حتى إذا تبلور الفكر الإداري في العصر الحديث، أصبحت هذه الهيئات مؤسسات ذات هيكل تنظيمي لجماعة بشرية تقوم على أساس فكري متجانس قادر على تحقيق أهداف مشتركة، إذ نشأت هذه الهيئات من طرف أفراد بجهود واعية حيث ينشطون بوضع برامج لما اكتشفوا احتياج مجتمعهم له. وهكذا نشأت الكثير من المؤسسات التطوعية بدافع خدمة المجتمع ولا تسعى للربح، بل لتحقيق أهداف إنسانية تربوية واجتماعية وثقافية وبيئية صرفة.
ووفق هذا الاتجاه، تطورت صور التطوع لدى المغاربة بتطور النسيج الاجتماعي وبظهور حاجات مجتمعية جديدة، فأصبحنا أمام مبادرات تطوعية جديدة تروم الدفاع عن استقلال الوطن وحوزته، أو المساهمة في بناء وتشييد الآبار والطرق والبنى التحتية والمؤسسات الدينية ودور التنشئة الاجتماعية والمساجد والمراكز الصحية، خصوصا في المناطق المعزولة. مما جعل من العمل التطوعي محركا أساسيا للعمل المدني والجمعوي بالمغرب، مستندا بذلك على قيم التضامن والتكافل المتجذرة لدى المغاربة والمستمدة من القيم الإنسانية والإسلامية، والإرث الثقافي المغربي متعدد الروافد.
أما على مستوى المأسسة، فتعد الولايات المتحدة الأمريكية أول من قامت بتنظيم التطوع في العالم، حيث أصدرت في دجنبر 1737 قانونا ينظم العمل التطوعي في مجال إطفاء الحريق بمدينة نيويورك.
ولعل الاهتمام الذي توليه مجموعة من الدول والمنظمات الدولية للتطوع، هو ما دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداء من سنة 1985 إلى تخصيص يوم الخامس من دجنبر من كل سنة يوما عالميا للتطوع، يتم من خلاله تسليط الضوء على أهمية وأدوار العمل التطوعي والاحتفاء بالمتطوعين، وجهودهم ومبادراتهم وتعزيز عملهم بما يزيد من خدمة الفعل التطوعي لتنمية بلدانهم.
ويأتي هذا الكتاب في سياق دولي ووطني يركز على حجم وأهمية العمل التطوعي في المجتمعات، بما يساهم في تنفيذ المبادرات الهادفة لتحقيق التنمية ومحاربة مظاهر الفقر والهشاشة، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للفئات الاجتماعية المحتاجة.
كما يأتي في سياق الدينامية الاجتماعية والمدنية التي عرفها المجتمع المغربي بعد إقرار دستور 2011 بما حمله من مبادئ ومفاهيم جديدة، نصت على الديمقراطية التشاركية وأولت للمجتمع المدني أدوارا دستورية مهمة، تبرز ضرورة الانكباب على إيجاد صيغ قانونية وعلمية لتقنين مجال التطوع وتثمين الرصيد التطوعي المغربي المتراكم عبر التاريخ، بما يسهم في تنميته وتوفير شروط نجاحه وتعميمه ليشمل مختلف المجالات الحيوية. وهو ما يتم فعلا، بعد أن صادقت بلادنا في يوليوز 2021 على القانون المتعلق بتنظيم العمل التطوعي التعاقدي، في محاولة من الدولة للتأطير القانوني لمجال التطوع وتنظيمه والرقي به بالشكل الذي يساهم فيه في التنمية المجتمعية.
كما يأتي هذا الكتاب في زمن أطلقت فيه وزارة الشباب والثقافة والتواصل برنامج “متطوع” الذي يهم الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 18 و22 سنة، والذي يهدف إلى إشراك أزيد من 5000 شابة وشاب من جميع ربوع المملكة وتكوينهم وتعزيز قيم المشاركة المواطنة لديهم، وتطوير معارفهم ومهاراتهم المتعلقة بالعمل التطوعي في مجالات البيئة والتنمية المستدامة والتضامن والتعاون والتربية والتنشيط والتراث والثقافة والصحة والرياضة وريادة الأعمال الاجتماعية.
ويهدف هذا الكتاب على وجه الخصوص إلى تسليط الضوء على ظاهرة العمل التطوعي كظاهرة اجتماعية ودورها المتزايد في تنمية المجتمعات وتقدمها وتعزيز تماسكها، بالتركيز بالأساس على دوافعها والأسباب التي جعلت الفعل التطوعي فعلا اجتماعيا باقيا ومستمرا في المجتمع، بالشكل الذي عضد من دور المجتمع المدني كقطاع محوري في المجتمع إلى جانب كل من القطاعين العام والخاص.
خصوصا وأن أهمية التطوع تكمن في عدم قدرة الدولة في المجتمعات المعاصرة على الاستجابة لكل الحاجات المجتمعية، أو تلك الخاصة ببعض فئاته، حيث أن القطاع التطوعي عادة ما يكون أقدر على التعرف على الفجوات الموجودة في نظام الخدمات في المجتمع، وبالتالي التركيز عليها وجذب الاهتمام اليها، وإتاحة الفرص للمواطنين لتأدية الخدمات بأنفسهم، مما يقلل من حجم المشكلات الاجتماعية في المجتمع.
لذلك، فقد اختار الباحث مصطفى تاج من خلال كتابه هذا الإحاطة بالإشكالية التالية: دوافع التطوع لدى المغاربة؟ ومن خلالها مقاربة مجموعة من الأسئلة الفرعية، وأهمها:
– ما هو مفهوم العمل التطوعي وكيف تطور الفعل التطوعي؟
– ما هي أهمية التطوع وما هي أسسه وأهدافه وأنواعه وشروطه؟
– لمذا يتطوع المغاربة؟ وما هي دوافعهم؟
– ما هي الروافد والعوامل التي ساهمت في تشكيل ثقافة التطوع بالمغرب؟
– ما هي أهم المقاربات النظرية الفلسفية والاجتماعية والدينية التي أطرت العمل التطوعي؟
– ما هي المرجعيات التي يستند عليها العمل التطوعي بالمغرب؟
– كيف تساهم مبادرات جمعيات المجتمع المدني في التنمية؟
– كيف نظمت الدولة مجال العمل التطوعي التعاقدي؟
– ما هي آثار التطوع على التنمية بالمغرب؟